وَأَطْلَقَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ النَّقْلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، بِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى أَفْرَادِهِ قَطْعِيَّةٌ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْحُولِ " عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ: الَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصِّيغَةَ إنْ تَجَرَّدَتْ عَنْ الْقَرَائِنِ فَهِيَ نَصٌّ فِي الِاسْتِغْرَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِانْتِفَاءِ الْقَرَائِنِ: فَالتَّرَدُّدُ بَاقٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِبْيَارِيُّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ " وَزَادَ حِكَايَتَهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ.
قَالَ: وَالْمَأْخَذُ مُخْتَلِفٌ، فَالْمُعْتَزِلَةُ تَلَقَّوْهُ مِنْ اسْتِحَالَةِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ الْخِطَابِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ غَيْرَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لَكَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ، وَهُوَ مُحَالٌ. وَالشَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَى كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ لِاقْتِرَانِ اللَّفْظَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
قَالَ: وَهَذَا بَحْثٌ لُغَوِيٌّ يَفْتَقِرُ إلَى النَّقْلِ، وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يُنْكِرُ عَلَى الْإِبْيَارِيِّ هَذَا النَّقْلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ظَنًّا مِنْهُ تَفَرُّدَهُ بِهَذَا. نَعَمْ، قَدْ أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِإِلْكِيَا، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ " التَّلْوِيحِ ": نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَلْفَاظَ إذَا تَعَرَّتْ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُخَصِّصَةِ كَانَتْ نَصًّا فِي الِاسْتِغْرَاقِ، لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا احْتِمَالٌ، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، وَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَالْحَقُّ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْمُسَمَّيَاتِ النَّادِرَةَ يَجُوزُ أَنْ لَا تُرَادَ بِلَفْظِ الْعَامِّ، وَيَجِبُ مِنْهُ أَنَّ التَّخْصِيصَ إذَا وَرَدَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَانَ نَسْخًا، وَذَلِكَ خِلَافُ رَأْيِ الشَّافِعِيِّ. انْتَهَى.
وَلَعَلَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي نَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ كَوْنَهَا قَطْعِيَّةً أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّهَا نَصٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُسَمِّي الظَّوَاهِرَ نُصُوصًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ " عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute