نَظَرَ، إنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَخُصُّ اللَّفْظَ كَانَ مَقْصُودًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا أُجْرِيَ عَلَى عُمُومِهِ، لِأَنَّ الْعَامَّ مُحْتَمِلٌ لِلتَّخْصِيصِ، فَلَا يَجُوزُ الْهُجُومُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ النَّظَرِ فِي الْمُرَادِ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الَّذِي يَعْتَقِدُهُ السَّامِعُ قَبْلَ النَّظَرِ؟ قُلْنَا: قَدْ يَقْتَرِنُ بِالْخِطَابِ مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ مَا يَقِفُ بِهِ السَّامِعُ عَلَى مُرَادِ الْخِطَابِ، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْخِطَابُ مَا يَتَعَقَّلُ لِتَخْصِيصِ اللَّفْظِ وَقَرِينَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا وَرَدَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» إذَا وَرَدَ الْخِطَابُ مُجَرَّدًا مِنْ دَلَالَةٍ تَقْتَرِنُ بِهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُخَاطَبِ قَبْلَ النَّظَرِ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ حَقٌّ وَلَا يَعْتَقِدُ انْصِرَافَهُ إلَى عُمُومٍ وَلَا إلَى خُصُوصٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ قَبْلَ النَّظَرِ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ اللَّفْظِ الْعَامِّ، فَالْعَامُّ يَرِدُ عَلَيْهِ الْحَادِثَةُ وَجْهَيْنِ فَلَا يَعْتَقِدُ فِي حُكْمِهَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ إلَى أَنْ يَنْظُرَ فَيَتَبَيَّنَ لَهُ الْحُكْمُ. انْتَهَى. وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْعَنْبَرِ الَّذِي أَلْقَاهُ الْبَحْرُ، فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ حَكَمَ بِتَنْجِيسِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ إنَّهُ اسْتَبَاحَهَا بِحُكْمِ الِاضْطِرَارِ مَعَ أَنَّ عُمُومَ الْقُرْآنِ فِي الْمَيْتَةِ مُخَصَّصٌ بِقَوْلِهِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ خَبَرٌ مِنْ هَذَا الْمُخَصِّصِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute