الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ كُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا، وَغَلَّطَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " شَرْحِ الْعِنْوَانِ " مُتَمَسِّكًا بِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّابِقِ وَمَنْ نَقَلَ الْخِلَافَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ لِمَزِيدِ الِاطِّلَاعِ. انْتَهَى.
قُلْت: وَهَذَا لَا يُنَافِي نَقْلَ الْخِلَافِ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ طَرِيقَةٌ فِي الْمَذْهَبِ قَاطِعَةٌ بِذَلِكَ، وَطَرِيقَةٌ حَاكِيَةٌ لِلْخِلَافِ، عَلَى أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ عَكَسَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، فَقَالَ: الْمَعْرُوفُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَخِلَافُ الصَّيْرَفِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي اعْتِقَادِ عُمُومِهِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِذَا ظَهَرَ مُخَصِّصٌ يَتَغَيَّرُ الِاعْتِقَادُ، هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمَا. وَعَلَى هَذَا فَنَصْبُ الْخِلَافِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ غَلَطٌ بَلْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ: اعْتِقَادُ الْعُمُومِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافِ الصَّيْرَفِيِّ، وَامْتِنَاعُ التَّمَسُّكِ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ إجْمَاعٍ. وَاسْتَشْكَلَ آخَرُونَ الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِ الْعَمَلِ مَعَ إيجَابِ الْبَعْضِ اعْتِقَادَ عُمُومِهِ، إذْ لَا يَظْهَرُ لِوُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ فَائِدَةٌ إلَّا الْعَمَلَ بِهِ فِعْلًا أَوْ كَفًّا، فَلَوْ قِيلَ: قَاتِلُوا الْكُفَّارَ، أَوْ اُقْتُلُوهُمْ، وَاعْتَقَدْنَا عُمُومَهُ، وَجَبَ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ فِي قِتَالِهِمْ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمُخَصِّصُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِوُجُوبِ اعْتِقَادِ عُمُومِهِ فَائِدَةٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْحَالَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute