وَابْنِ مَالِكٍ أَنَّ مَدْلُولَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَجْمُوعُ فَإِنَّهُ جَوَّزَ فِيهَا اعْتِبَارَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى؛ وَلِهَذَا جَعَلَ صَاحِبُ " الْبَدِيعِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ " كُلَّ الرِّجَالِ " كُلًّا مَجْمُوعِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: الْقَائِلُ: كُلَّ حَبَّةٍ مِنْ الْبُرِّ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ، صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ كُلِّيٌّ عَدَدِيٌّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: كُلَّ الْحَبَّاتِ مِنْهُ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ، فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعُ، وَقَدْ اسْتَضْعَفَ هَذَا مِنْهُ، فَإِنَّ " كُلَّ " إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْرِفَةٍ جَمْعٍ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي كُلِّ فَرْدٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْثِلَةُ السَّابِقَةُ.
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ السَّرَّاجِ عَنْ الْمُبَرِّدِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: أَخَذْت الْعَشَرَةَ كُلَّهَا، أَنَّ إضَافَةَ " كُلٍّ " إلَى الْعَشَرَةِ كَإِضَافَةِ بَعْضِهَا إلَيْهَا، وَأَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ الْمَعْنَى الْجُزْئِيَّ، وَإِنَّمَا الْكُلُّ اسْمٌ لِأَجْزَائِهِ جَمِيعًا الْمُضَافَةِ إلَيْهِ، وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ السَّرَّاجِ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الْمُبَرِّدِ، وَكَأَنَّ مُرَادَ ابْنِ السَّاعَاتِيِّ إذَا أُرِيدَ بِهَا الْمَجْمُوعُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلًا: قَوْلُنَا كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ كُلَّ الشَّيْءِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ كُلِّيٌّ عَدَدِيٌّ، وَالثَّانِيَ كُلِّيٌّ مَجْمُوعِيٌّ، فَالْخَلَلُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ تَمْثِيلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِكُلِّ حَبَّةٍ مِنْ الْبُرِّ غَيْرِ مُتَقَوِّمَةٍ، وَكُلُّ الْحَبَّاتِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَهَذَا جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِخِلَافِ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ مُعَرَّفٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْرِفَةُ مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا، فَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا كَانَتْ لِاسْتِغْرَاقِ أَجْزَائِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْمَجْمُوعُ، وَلِذَلِكَ يَصْدُقُ قَوْلُنَا: كُلُّ رُمَّانٍ مَأْكُولٌ. وَلَا يَصْدُقُ: كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute