مِنْ خَصَائِصِ " كُلٍّ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ، بَلْ مَا دَلَّ عَلَى مُتَعَدِّدٍ أَوْ مُفْرَدٍ ذِي أَجْزَاءٍ كَذَلِكَ، فَإِذَا قُلْت: مَا رَأَيْت رِجَالًا، أَوْ مَا رَأَيْت رَجُلَيْنِ، أَوْ مَا أَكَلْت رَغِيفًا أَوْ مَا رَأَيْت رَجُلًا وَعَمْرًا، كُلُّ ذَلِكَ سَلَبَ الْمَجْمُوعَ، لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَقَدَّمَ السَّلْبُ
الثَّالِثُ: قَوْلُهُمْ: إنَّ السَّالِبَةَ الْكُلِّيَّةَ تَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ وَقَدْ مَنَعَهُ بَعْضُهُمْ مُدَّعِيًا أَنَّهَا اقْتَضَتْ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، وَالْمُسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَعَنْ الْجُمْلَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ " كُلٌّ " تَأْكِيدًا، بَلْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَلْزِمِ لِنَفْيِ الْإِفْرَادِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ " كُلًّا، وَكُلَّمَا، وَلَا شَيْئًا، وَلَا وَاحِدًا "، وَسَائِرَ كَلِمَاتِ السُّوَرِ، إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ لَا بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الطَّبِيعِيَّةِ لَا فِي الْمُسَوَّرَةِ.
الرَّابِعُ: هَذَا حُكْمُهَا فِي النَّفْيِ، وَسَكَتُوا عَنْ حُكْمِهَا فِي الشَّرْطِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقَدُّمَهَا عَلَيْهِ كَتَقَدُّمِهَا عَلَى النَّهْيِ، فَيَكُونُ الشَّرْطُ عَامًّا لِكُلِّ فَرْدٍ، فَإِذَا قُلْت: كُلُّ رَجُلٍ إنْ قَامَ فَاضْرِبْهُ، وَكُلُّ عَبْدٍ لِي إنْ حَجَّ فَهُوَ حُرٌّ، فَمَنْ حَجَّ مِنْهُمْ عَتَقَ، فَلَوْ قَدَّمْتَ الشَّرْطَ، فَقُلْت: إنْ حَجَّ كُلُّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي فَهُمْ أَحْرَارٌ، لَا يُعْتَقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَحُجَّ جَمِيعُهُمْ، وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأنعام: ٢٥] .
الْخَامِسُ: جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي " كُلٍّ " مِنْ إفَادَتِهَا اسْتِيعَابَ جُزْئِيَّاتِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ نَكِرَةً أَوْ جَمْعًا مُعَرَّفًا، وَأَجْزَائِهِ إنْ كَانَ مُفْرَدًا مَعْرِفَةً، لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَقِلَّةً أَوْ تَابِعَةً مُؤَكَّدَةً، مِثْلُ أَخَذْتُ الْعَشَرَةَ كُلَّهَا، وَجَاءَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدْخُلُ فِيهِ التَّأْكِيدُ، لَكِنَّ الْعُمُومَ فِيهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الصِّيغَةِ الْمُؤَكِّدَةِ، وَ " كُلٌّ " جَاءَتْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَفْرَادِ، وَعَدَمِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ، وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ إذَا وَقَعَتْ مُؤَكَّدَةً بَيْنَ تَقْدِيمِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute