للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} [الأنعام: ١٥١] وَنَظَائِرِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ، يَكُونُ مُولِيًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَيَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ الْحِنْثُ، وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ النَّفْيِ وَتَأَخُّرِهِ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ السَّابِقَ لَا يَخْتَصُّ بِ " كُلٍّ "، بَلْ يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ صِيَغِ الْعُمُومِ، كَقَوْلِكَ: لَا تَضْرِبْ الرِّجَالَ، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ. قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّهْيِ لِكُلِّ فَرْدٍ، وَجَعَلَ هَذَا وَارِدًا عَلَى قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ كُلِّيَّةٌ، وَلَمْ يَفْصِلُوا فِي النَّفْيِ وَالنَّهْيِ بَيْنَ تَقْدِيمِهَا وَتَأْخِيرِهَا، وَجَعَلَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} [الأنعام: ١٥١] إنَّمَا ثَبَتَ الْعُمُومُ فِيهِ لِكُلِّ فَرْدٍ بِقَرِينَةٍ، أَوْ بِجَعْلِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ الْجِنْسِ لَا الْعُمُومِ لِلْقَرِينَةِ وَنَحْوِهِ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ " التِّبْيَانِ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ " فِي صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ مَعَ " كُلٍّ " فَقَالَ: إذَا قُلْت: لَا تَضْرِبْ الرَّجُلَيْنِ كِلَيْهِمَا كَانَ النَّهْيُ لَيْسَ بِشَامِلٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: وَلَكِنْ اضْرِبْ أَحَدَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَا تَأْخُذْهُمَا جَمِيعًا، وَلَكِنْ خُذْ وَاحِدًا مِنْهُمَا. لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ الْقَرَافِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ النَّفْيِ وَعَدَمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>