إلَى الشُّمُولِ دُونَ أَصْلِ الْفِعْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ فَإِنَّ النَّفْيَ حِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ. قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: مِنْ حُكْمِ النَّفْيِ إذَا دَخَلَ عَلَى كَلَامٍ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ تَقْيِيدٌ عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّفْيُ إلَى ذَلِكَ التَّقْيِيدِ دُونَ أَصْلِ الْفِعْلِ، فَإِذَا قِيلَ: لَمْ يَأْتِ الْقَوْمُ مُجْتَمَعِينَ، كَانَ النَّفْيُ مُتَوَجِّهًا إلَى الِاجْتِمَاعِ الَّذِي هُوَ قَيْدٌ فِي الْإِتْيَانِ دُونَ أَصْلِ الْإِتْيَانِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَمْ يَأْتِ الْقَوْمُ مُجْتَمِعِينَ، وَكَانَ لَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، لَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَأْتُوكَ أَصْلًا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِكَ: مُجْتَمِعِينَ، فَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ عَاقِلٌ، وَالتَّأْكِيدُ ضَرْبٌ مِنْ التَّقْيِيدِ.
وَهَاهُنَا تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنْ تَقَدَّمَ النَّفْيُ عَلَى " كُلٍّ " لِسَلْبِ الْعُمُومِ، وَلَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يُنْتَقَضْ النَّفْيُ، فَإِنْ انْتَقَضَ فَالِاسْتِغْرَاقُ بَاقٍ كَالْآيَةِ، وَيَكُونُ لِعُمُومِ السَّلْبِ.
وَمِنْهُ: مَا كُلُّ رَجُلٍ إلَّا قَائِمٌ، وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّفْيَ لِلْمَجْهُولِ، وَمَا بَعْدَ " إلَّا " لَا تَسَلُّطَ لِلنَّفْيِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ، وَهُوَ فِي الْمُفَرَّغِ مُسْتَنِدٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَهُوَ كُلُّ فَرْدٍ كَمَا كَانَ قَبْلَ دُخُولِ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ.
الثَّانِي: أَنَّ حُكْمَ النَّهْيِ فِيمَا سَبَقَ حُكْمُ النَّفْيِ، فَإِذَا قُلْت: لَا تَضْرِبْ كُلَّ رَجُلٍ أَوْ كُلَّ الرِّجَالِ، كَانَ النَّهْيُ عَنْ الْمَجْمُوعِ لَا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ. وَلَوْ قُلْت: كُلَّ الرِّجَالِ لَا تَضْرِبْ، كَانَ عُمُومًا فِي السَّلْبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ فَرْدٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُ كُلَّ رَجُلٍ، إنَّمَا يَحْنَثُ بِكَلَامِهِمْ كُلِّهِمْ، فَلَوْ كَلَّمَ وَاحِدًا لَمْ يَحْنَثْ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَهْيًا فَهُوَ فِي حُكْمِهِ. وَقَدْ رَدَّ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} [الأنعام: ١٥١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute