وَخَرَجَ لَنَا مِنْ هَذَا أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا لِلْعُمُومِ، فَهَلْ هُوَ عُمُومُ شُمُولٍ أَمْ بَدَلٍ؟ وَجْهَانِ، وَتَوَسَّعَ الْقَرَافِيُّ فَعَدَّى عُمُومَهَا إلَى الْمَوْصُولَةِ وَالْمَوْصُوفَةِ فِي النِّدَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَعُدَّهَا فِي الصِّيَغِ كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الْقُشَيْرِيّ، لِأَجْلِ قَوْلِ النُّحَاةِ: إنَّهَا بِمَعْنَى " بَعْضٍ " إنْ أُضِيفَتْ إلَى مَعْرِفَةٍ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: أَيُّ وَقْتٍ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ كَمَا فِي " كُلَّمَا ". وَالْحَقُّ أَنَّ عَدَمَ التَّكْرَارِ لَا يُنَافِي الْعُمُومَ، وَكَوْنُ مَدْلُولِهَا أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الصِّيَغِ فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ " مَنْ، وَمَا " الِاسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ لِلْعُمُومِ فَلْتَكُنْ " أَيُّ " كَذَلِكَ.
وَقَالَ صَاحِبُ " اللُّبَابِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو زَيْدٍ فِي " التَّقْوِيمِ " كَلِمَةَ " أَيٍّ " نَكِرَةٌ، لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ بِنَفْسِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: ٣٨] وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَهُمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ، فَإِنْ وَصَفَهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ كَانَتْ لِلْعُمُومِ، كَقَوْلِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبُوهُ جَمِيعًا عَتَقُوا، لِعُمُومِ فِعْلِ الضَّرْبِ. وَصَرَّحَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَقَالَ: وَأَمَّا " أَيُّ " فَهُوَ اسْمُ فَرْدٍ يَتَنَاوَلُ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ الْمُضَافَةِ، قَالَ تَعَالَى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: ٣٨] وَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ وَاحِدٌ، وَقَالَ: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: ٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute