وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَيُّ الرَّجُلِ أَتَاكَ؟ وَلَا تَقُولُ: أَيُّ الرِّجَالِ أَتَاكَ؟ إذْ لَا عُمُومَ فِي الصِّيغَةِ. انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ": لَوْ قَالَ: أَيُّ عَبِيدِي حَجَّ فَهُوَ حُرٌّ، فَحَجُّوا كُلُّهُمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ: أَيُّ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَهَذَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إذَا قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبُوهُ كُلُّهُمْ عَتَقُوا جَمِيعًا، وَإِنْ قَالَ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَ جَمَاعَةً لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ.
وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ "، وَفِي فَتَاوَى الشَّاشِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ جَمِيعًا عَمَلًا بِعُمُومِ " أَيٍّ " وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فَقَالَ: " أَيُّ " أَعَمُّ الْمُبْهَمَاتِ، وَزَعَمَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَنَّهُ عَلَى الْوَاحِدِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُ فَهُوَ حُرٌّ، أَنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدِ وَأَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ أَضَافَ الْفِعْلَ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْحُرِّيَّةَ إلَى الْجَمَاعَةِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَقُلْنَا بِعُمُومِ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. انْتَهَى. وَوَجَّهَ ابْنُ يَعِيشَ وَغَيْرُهُ مِنْ النُّحَاةِ مَسْأَلَتَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَامٌّ وَفِي الثَّانِيَةِ خَاصٌّ، فَإِنَّهُ فِي الْأُولَى مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ عَبِيدِي، وَهِيَ كَلِمَةُ عُمُومٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ خَاصٌّ، ثُمَّ قَرَّرُوا أَنَّ الْفِعْلَ يَعُمُّ بِعُمُومِ فَاعِلِهِ لَا بِعُمُومِ مَفْعُولِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْفَاعِلَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْفِعْلِ، وَهُوَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْفِعْلُ وَالْمَفْعُولُ، لِأَنَّ الْمَفْعُولَ قَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْفِعْلُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَسْرِيَ عُمُومُ الْفَاعِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute