للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْرِيَ عُمُومُ الْمَفْعُولِ إلَى الْفِعْلِ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَجَّهَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْعٌ إذَا قَالَ: طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْتَ، لَا يُطَلِّقُ الْكُلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا قَالَ: طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ، فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ مَنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ وَالْمَشِيئَةَ مُضَافٌ بِمَعْنَى فِي الْأُولَى إلَى وَاحِدٍ، فَإِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً سَقَطَ اخْتِيَارُهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الِاخْتِيَارُ مُضَافٌ إلَى جَمَاعَةٍ، فَكُلُّ مَنْ اخْتَارَتْ طَلُقَتْ. نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ: أَيُّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا، لَا يُعْتَقُ الثَّانِي، لِأَنَّ حَرْفَ " أَيِّ " وَإِنْ كَانَ حَرْفَ تَعْمِيمٍ فَالْمُضَافُ إلَيْهِ الضَّرْبُ وَاحِدٌ، وَإِذَا قَالَ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَهُ عَبْدٌ ثُمَّ عَبْدٌ عَتَقُوا؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ مُضَافٌ إلَى جَمَاعَةٍ. انْتَهَى. وَقَدْ اعْتَرَضَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ عَمْرُونٍ النَّحْوِيُّ الْحَلَبِيُّ وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَالْفِعْلُ عَامٌّ فِيهِمَا، وَضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فِي ذَلِكَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ يُخَاطِبُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:

وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَخْفِضْ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعْ

فَإِنَّ " مَنْ " الشَّرْطِيَّةُ عَامَّةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَالْمُرَادُ عُمُومُ الْفِعْلِ مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّ الِاسْمَ الْعَامَّ هُنَا إنَّمَا هُوَ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ، إذْ التَّقْدِيرُ: وَمَنْ تَخْفِضْهُ الْيَوْمَ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى " مَنْ " وَهُوَ الِاسْمُ الْعَامُّ، وَأَمَّا ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فَخَاصٌّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>