فَإِنَّ عُمُومَ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى يَدْخُلُ تَحْتَهُ كَثْرَةٌ تَشْمَلُهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِ الْمُفْرَدِ كُلِّيًّا، وَأَمَّا الْعُمُومُ الْآخَرُ، وَهُوَ عُمُومُ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ، فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي قَوْلٍ: كَخَبَرٍ، أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْيٍ، مِثْلُ: الْإِنْسَانُ فِي خُسْرٍ، وَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، وَالْحُكْمُ فِي قَوْلِك: خُسْرٍ، وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ فِي الْأَمْرِ. انْتَهَى.
وَحَكَى الْإِمَامُ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ بَعْضِ الْقَائِلِينَ بِصِيَغِ الْعُمُومِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يُجْمَعُ كَالتَّمْرِ وَالتُّمُورِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَالَةُ الْجَمْعِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا لَا حَاصِلَ لَهُ، فَإِنَّ الِاسْتِغْرَاقَ ثَابِتٌ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَيَرِدُ عَلَيْهِمْ امْتِنَاعُ قَوْلِ الْقَائِلِ: تَمْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ مُتَعَلِّقِهِمْ فِي الْجَمْعِ.
وَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ: النَّاقَةُ تُجْمَعُ عَلَى نُوقٍ، ثُمَّ النُّوقُ تُجْمَعُ عَلَى نِيَاقٍ، وَهُمَا مِنْ أَبْنِيَةِ الْكَثْرَةِ، ثُمَّ يُجْمَعُ النِّيَاقُ عَلَى أَيْنُقْ هُوَ، وَهُوَ مَقْلُوبُ آنِقٍ أَوْ أَنِيقً، وَالْأَفْعَلُ مِنْ جَمْعِ الْقِلَّةِ.
ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ: وَالْحَقُّ أَنَّ التَّمْرَ أَقْعَدُ بِالْعُمُومِ مِنْ التُّمُورِ، لِاسْتِرْسَالِهِ عَلَى الْآحَادِ لَا بِصِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ، وَأَمَّا التُّمُورُ فَإِنَّهُ يَرِدُ إلَى تَخَيُّلِ الْوَحَدَاتِ ثُمَّ يَجِيءُ الِاسْتِغْرَاقُ بَعْدَهُ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ. قَالَ شَارِحُوهُ: يُرِيدُ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ التَّمْرِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الْمُشْتَمِلِ لِلْآحَادِ، وَالتَّمْرُ يُلْتَفَتُ فِيهِ إلَى الْوَاحِدِ، فَلَا يَحْكُمُ فِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ عَلَى أَفْرَادِهَا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: تُمُورٌ، فَقَدْ تَخَيَّلَ رَدَّهُ إلَى الْوَاحِدِ عِنْدَ إرَادَةِ الْجَمْعِ، وَأَرَادَ دَلَالَتَهُ عَلَى الْجِنْسِ، وَهِيَ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهَا، وَصَيَّرَ دَلَالَةَ الْجِنْسِ إلَى لَفْظِ الْجَمْعِ الَّذِي فِيهِ خِلَافٌ. وَقَوْلُهُ: الْجَمْعُ يُرَدُّ إلَى تَخَيُّلِ الْوَحَدَاتِ، يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ. " الْمَقْصُودَةُ "، وَإِلَّا فَاسْمُ الْجِنْسِ يَتَخَيَّلُ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute