الْوَحَدَاتِ، لَكِنَّ آحَادَهُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِخِلَافِ الْجَمْعِ، وَتَمْثِيلُهُ بِالتَّمْرِ مُعَرَّفًا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّمْرَ مُفْرَدٌ، وَأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ يَعُمُّ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّمْرِ: هَلْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ، لِأَنَّهُ تَمَيَّزَ بِهِ، وَلَا تَمَيُّزَ إلَّا بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، أَوْ جَمْعُ تَمْرَةٍ يُفَرَّقُ بَيْنَ وَاحِدِهِ وَجَمْعِهِ بِالتَّاءِ؟ وَالصَّوَابُ: الْأَوَّلُ، فَإِنَّ التَّمْرَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادٍ مَقْصُودَةٍ بِالْعَدَدِ وَإِنَّمَا يُجْمَعُ إذَا قَصَدْت أَنْوَاعَهُ لَا أَفْرَادَهُ، فَهُوَ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ كَمَاءٍ.
وَقَدْ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكِتَابِهِ) وَقَالَ: " كِتَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ كُتُبِهِ " يُرِيدُ أَنَّ كِتَابَهُ يَنْصَرِفُ إلَى جِنْسِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، فَدَلَالَتُهُ أَعَمُّ مِنْ كُتُبِهِ، لِأَنَّ كُتُبَهُ جَمْعٌ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأَنَّ الْكِتَابَ وَاحِدٌ نُحِيَ بِهِ نَحْوُ الْجِنْسِ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْعُمُومِ مِنْ الْجَمْعِ، فَمَعْنَاهُ مُفْرَدًا أَدَلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ مِنْهُ جَمْعًا، وَفِي قَوْلِهِ: نَحَّى بِهِ نَحْوَ اسْمِ الْجِنْسِ، مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ اسْمِ الْجِنْسِ، لِأَنَّ مَا نُحِيَ بِهِ نَحْوُ الشَّيْءِ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَرَى أَنَّ تَمْرًا اسْمُ جَمْعٍ لَا جَمْعٌ كَرَهْطٍ وَقَوْمٍ، وَهُوَ قَوْلٌ، فَفِي تَمْرٍ إذَنْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: ١٧] إنَّ الْمَلَكَ أَعَمُّ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَذُكِرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ نَظِيرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْجَمْعِ وَيَزِيدُ هَاهُنَا مَذَاهِبُ أُخْرَى كَمَا بَيَّنَّا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْمُفْرَدِ أَوْ الْجَمْعِ تُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ فِيهِمَا جَمِيعًا عِنْدَ مُعْظَمِ الْأُصُولِيِّينَ، إلَّا إذَا كَانَ مَعْهُودًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِمُطْلَقِ الْجِنْسِ فِيهِمَا لَا الِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ أَحَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute