وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ التَّعْرِيفَ الْجِنْسِيَّ لِاسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا فِي إثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ، وَهَذَا لَا يُجْدِي، لِأَنَّ النِّزَاعَ فِيهِ، وَالْخَصْمُ يَقُولُ: إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادِ الْجُمُوعِ لَا عَلَى فَرْدٍ فَرْدٍ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَرِينَةَ الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ هُنَا اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ مِنْ الْآحَادِ لَا مِنْ مَرَاتِبِ الْجُمُوعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْوَى فِي دَلَالَةِ الْعُمُومِ الْكُلِّيَّةِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُفْرَدِ لِمَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَقْوَى مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ إذْ كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ، وَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: لَا رِجَالَ فِي الدَّارِ، وَهَذَا إنَّمَا جَاءَ فِي جَانِبِ النَّفْيِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الْإِثْبَاتِ مَعَ التَّعْرِيفِ الْجِنْسِيِّ، فَالشُّمُولُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّ طَرِيقَهُ مُخْتَلِفٌ، كَمَا سَبَقَ نَقْلُهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَصَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكُتُبِهِ} وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْكِتَابُ أَكْثَرُ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَرَّرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ، بِأَنَّ الْمُفْرَدَ يَدُلُّ عَلَى أَفْرَادِ جِنْسِهِ كُلِّهَا، لَا بِصِيغَةٍ لَفْظِيَّةٍ، بَلْ بِمَعْنَاهُ وَمَوْضُوعِهِ، وَأَمَّا فِي الْجَمْعِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ أَوَّلًا إلَى تَخَيُّلِ الْوَحَدَاتِ، ثُمَّ يَحْصُلُ الِاسْتِغْرَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَمْعِ، فَكَانَ الْأَوَّلُ أَقْوَى.
الثَّانِي: أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ، وَأَطْبَقَ الْمَنْطِقِيُّونَ عَلَى أَنَّ نَحْوَ قَوْلِنَا: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ قَضِيَّةٌ مُهْمَلَةٌ فِي قُوَّةِ الْجُزْئِيَّةِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ " مِعْيَارِ الْعِلْمِ " عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الِاسْتِغْرَاقُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَجَبَ طَلَبُ الْمُهْلَةِ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَهُوَ مُهْمَلٌ، إذْ يَحْتَمِلُ الْكُلَّ، وَيَحْتَمِلُ الْجُزْءَ، وَيَكُونُ قُوَّةُ الْمُهْمَلِ قُوَّةَ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّهُ بِالضَّرُورَةِ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعُمُومُ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ مَا يَصْدُقُ جُزْئِيًّا أَنْ لَا يَصْدُقَ كُلِّيًّا. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute