فِي " أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ ": إنَّمَا تَعُمُّ النَّكِرَةُ الْمَنْفِيَّةُ، فَأَمَّا الَّتِي لَيْسَتْ بِمَنْفِيَّةٍ لَكِنَّهَا فِي سِيَاقِهِ، فَلَا تَعُمُّ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} [الأنعام: ٩١] فِي جَوَابِ: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٩١] ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ لَمْ يَلْزَمْ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِالْوَاحِدِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّكِرَةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِمُعَيَّنٍ، كَقَوْلِكَ: رَأَيْت رَجُلًا، وَالنَّفْيُ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ، فَإِذَا انْضَمَّ النَّفْيُ الَّذِي لَا اخْتِصَاصَ لَهُ، إلَى التَّنْكِيرِ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ، اقْتَضَى ذَلِكَ الْعُمُومَ.
احْتَجَّ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لِنَفْيِ الْعُمُومِ لَمَا كَانَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " نَفْيًا لِدَعْوَى مَنْ ادَّعَى سِوَى اللَّهِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ النَّكِرَةُ صَادِقَةً عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَشَيْءٍ وَمَوْجُودٍ وَمَعْلُومٍ، أَوْ مُلَازِمَةً لِلنَّفْيِ، نَحْوُ أَحَدٍ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِثْلُ: غَرِيبٍ، وَدَاعٍ، وَمُجِيبٍ، أَوْ وَاقِعَةً بَعْدَ " لَا " الْعَامِلَةِ عَمَلَ إنْ، وَهِيَ " لَا " الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ، مِثْلُ: لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ، بِبِنَاءِ رَجُلٍ عَلَى الْفَتْحِ، أَوْ دَاخِلًا عَلَيْهَا مِنْ مِثْلِ: مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، فَإِنَّ كَوْنَهَا لِلْعُمُومِ مِنْ الْوَاضِحَاتِ، لَكِنْ هَلْ اُسْتُفِيدَ الْعُمُومُ فِي قَوْلِك: مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، مِنْ لَفْظَةِ " مِنْ " أَوْ كَانَ مُسْتَفَادًا مِنْ النَّفْيِ قَبْلَ دُخُولِهَا، وَدَخَلَتْ هِيَ لِلتَّأْكِيدِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلنَّحْوِيِّينَ، وَالصَّحِيحُ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ.
وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْمُبَرِّدِ، حَكَاهُ فِي " الِارْتِشَافِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرُوفِ الْجَرِّ، وَاخْتَارَهُ الْقَرَافِيُّ، وَزَعَمَ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ إلَّا إذَا بَاشَرَتْهَا " مِنْ " وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: ٥٩] إنَّمَا اُسْتُفِيدَ الْعُمُومُ مِنْ لَفْظَةِ " مِنْ " وَلَوْ قَالَ: مَا لَكُمْ إلَهٌ لَمْ يَعُمَّ، مَعَ أَنَّ لَفْظَةَ إلَهٍ نَكِرَةٌ، وَقَدْ حَكَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute