وَقَدْ ذَكَرَ الْحَرِيرِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَنَازَعَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ، وَقَالَا: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ مَعَ نَقْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَنْ سِيبَوَيْهِ: إنَّ " مَا جَاءَنِي رَجُلٌ " عَامٌّ، وَالْحَقُّ (أَنَّهُ) إنْ أَرَادَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِكَلَامِهِ ظَاهِرَهُ "، فَهُوَ شُذُوذٌ، وَيُحْمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا أَرَادَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ دُخُولِ " مِنْ " فِي النَّفْيِ يَكُونُ الْعُمُومُ نَصًّا، وَدُونَهَا ظَاهِرًا، وَالِانْتِقَالُ مِنْ الظُّهُورِ إلَى النَّصِّ تَأْكِيدُ تَأْسِيسٍ، فَإِنَّهُ تَقْوِيَةٌ مُجَرَّدَةٌ، وَكَذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ النُّحَاةِ إلَى أَنَّ " لَا " الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْسِ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ، دُونَ " لَا " الَّتِي هِيَ أُخْتُ لَيْسَ، فَإِنَّ مَعْنَى " مِنْ " مُتَضَمِّنٌ مَعَ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّائِغِ رَادًّا عَلَى مَنْ قَالَ: " لَا رَجُلَ " بَنَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى حَرْفِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ " مِنْ ".
قَالَ سِيبَوَيْهِ: إنَّهُ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ النَّفْيِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ: مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَمَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، " مِنْ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِتَأْكِيدِ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ التَّأْوِيلِ: هِيَ لِلْعُمُومِ ظَاهِرًا عِنْدَ تَقْدِيرِ " مِنْ "، فَإِنْ دَخَلَتْ " مِنْ " كَانَتْ نَصًّا، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ.
وَنَقَلَهُ ابْنُ الْخَبَّازِ فِي " شَرْحِ الْإِيضَاحِ " عَنْ النَّحْوِيِّينَ، فَقَالَ: فَرَّقَ النَّحْوِيُّونَ بَيْنَ قَوْلِنَا: مَا جَاءَنِي رَجُلٌ، وَمَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، أَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ نَفْيَ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسِ، فَلَوْ جَاءَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَانَ صَادِقًا، وَالثَّانِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا نَفْيَ جَمِيعِ الْجِنْسِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَلَوْ قُلْت: بَلْ رَجُلَانِ كَانَ كَذِبًا، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ إلَّا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ دُخُولِ " مِنْ " عَلَى أَدَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute