للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُمُومٍ كَأَحَدٍ فَجَعَلَهَا مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ، وَبَيْنَ دُخُولِهَا عَلَى غَيْرِهِ كَرَجُلٍ، فَجَعَلَهَا مُقَيِّدَةً لَهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْإِفَادَةِ ": قَدْ فَرَّقَ أَهْلُ اللُّغَةِ بَيْنَ النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ، وَمَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ وَبَيْنَ دُخُولِهِ عَلَى النَّكِرَةِ مِنْ أَسْمَاءِ الْجِنْسِ، فِي مَا جَاءَنِي رَجُلٌ، وَمَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، فَرَأَوْا تَسَاوِيَ اللَّفْظَيْنِ فِي الْأَوَّلِ. وَأَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ فِيهِ، وَافْتِرَاقُ الْمَعْنَى فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَا جَاءَنِي رَجُلٌ، يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكُلُّ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا دَخَلَتْ " مِنْ " أَخْلَصَتْ النَّفْيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَغَيَّرَتْ الْفَائِدَةَ اهـ.

لَا: لَوْ لَمْ يُفِدْ الْعُمُومَ مَعَ عَدَمِهَا لَمْ يُفِدْ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سبأ: ٣] {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] وَنَحْوِهَا، مِمَّا لَا شَكَّ فِي إفَادَتِهِ الْعُمُومَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ " مِنْ "، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ، فَدُخُولُ النَّافِي يَنْفِي مَعْنَاهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْمَاهِيَّةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْعُمُومُ، وَتَسْمِيَتُهُمْ " لَا " لِنَفْيِ الْجِنْسِ، وَهُوَ بِانْتِفَاءِ كُلِّ فَرْدٍ.

أَمَّا النَّكِرَةُ الْمَرْفُوعَةُ بَعْدَ " لَا " الْعَامِلَةُ عَمَلَ لَيْسَ، نَحْوُ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ فَهِيَ لِنَفْيِ الْوَحْدَةِ قَطْعًا، لَا لِلْعُمُومِ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي تَوْكِيدِهِ: بَلْ رَجُلَانِ أَوْ رِجَالٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَا رَجُلَ بِالْفَتْحِ، بَلْ رَجُلَانِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اقْتِضَاءِ الثَّانِي التَّعْمِيمَ دُونَ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ فِي حَالَةِ الرَّفْعِ " الرَّجُلُ " الْمُقَيَّدُ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ، وَذَلِكَ لَا يُعَارِضُهُ وُجُودُ الِاثْنَيْنِ أَوْ الْجَمْعِ، بِخِلَافِ الْمَنْفِيِّ حَالَةَ الْفَتْحِ، فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ فِيهِ الْحَقِيقَةُ لَا بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ، وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>