فِيمَا إذَا وَقَعَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي جَوَابًا لِقَسَمٍ أَوْ شَرْطًا، نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ، أَوْ إنْ أَكَلْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَنَوَى مَأْكُولًا، فَعِنْدَنَا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ، لِأَنَّهُ عَامٌّ قَطْعِيًّا فَتُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ؛ بَلْ يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ مَأْكُولٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَفْيٌ لِلْكُلِّيِّ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا: النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، أَنَّهَا تُفِيدُ عُمُومَ النَّفْيِ، لَا نَفْيَ الْعُمُومِ الَّذِي قَدْ يَكُونُ بِالثُّبُوتِ فِي الْبَعْضِ، وَقَدْ يَسْلَمُ لُزُومُهُ مِنْ نَفْيِ النَّكِرَةِ، لَكِنَّ غَايَتَهُ أَنَّ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ نَفْيِ الْمَاهِيَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي مَقْصُودِنَا؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ الْأَوَّلَ يُحَقَّقُ بِطَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نَفْيُ مَا لَيْسَ بِعَامٍّ، لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ عُمُومُ النَّفْيِ كَمَا هُوَ فِي نَفْيِ الْمَاهِيَّةِ.
وَثَانِيهِمَا: بِنَفْيِ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَا هُوَ عَامٌّ، وَمَتَى تَحَقَّقَ الْخَاصُّ تَحَقَّقَ الْعَامُّ.
الرَّابِعَةِ: اسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ الْعُمُومِ، كَقَوْلِنَا: مَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجًا، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ، أَيْ لَيْسَ حُكْمًا بِالسَّلْبِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَدَدِ زَوْجٌ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، بَلْ الْمَقْصُودُ بِهِ إبْطَالُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ كُلَّ عَدَدٍ زَوْجٌ، فَأَبْطَلَ السَّامِعُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعُمُومِ، وَهَكَذَا اسْتَثْنَاهُ السُّهْرَوَرْدِيّ فِي " التَّنْقِيحَاتِ "، وَالْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
الْخَامِسَةِ: قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي آخِرِ جَمْعِ التَّكْسِيرِ مِنْ " شَرْحِ التَّسْهِيلِ ": مَا ذَكَرَهُ النُّحَاةُ وَالْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، لَيْسَ عِنْدِي عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ: مَا قَامَ كُلُّ رَجُلٍ.
وَمَا قَامَ رَجُلٌ.
وَالنَّفْيُ عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِثْبَاتِ، فَإِنْ كَانَ الْإِثْبَاتُ عَامًّا كَانَ النَّفْيُ عَامًّا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute