الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، هَلْ عَمَّتْ لِذَاتِهَا أَوْ لِنَفْيِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا؟ فَقَالَ أَصْحَابُنَا، بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ لِسَلْبِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكُلِّيَّةِ بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ، وَأَنَّ سَلْبَ الْكُلِّيِّ حَصَلَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِنَفْيِ الْكُلِّيَّةِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّمَا حَصَلَ الْعُمُومُ لِأَنَّ النَّفْيَ فِيهِ لِنَفْيِ الْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ مَفْهُومُ الرَّجُلِ، وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُ كُلِّ فَرْدٍ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ فَرْدٌ لَمَا كَانَتْ حَقِيقَةُ الرَّجُلِ مَنْفِيَّةً لِاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ الْفَرْدِ الْحَقِيقَةَ الْكُلِّيَّةَ، فَإِنَّ نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَنَفْيُ الْأَعَمِّ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْأَخَصِّ، فَحَصَلَتْ السَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ، لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِلسَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُنَا: النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْيَ رَفْعٌ لِلْأَفْرَادِ؛ بَلْ رَفَعَ الْحَقِيقَةَ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعُمُومِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِنَفْيِهِ نَفْيَ كُلِّ رَجُلٍ رَجُلٍ لَا نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ. فَإِنْ قِيلَ: دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ لَازِمَةٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّ نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ لَازِمٌ لِنَفْيِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ، وَنَفْيُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ لَازِمٌ لَهُ، قُلْنَا: لَكِنَّ نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ نَفْيِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، فَجَعْلُهُ مَدْلُولًا بِالْمُطَابَقَةِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ ذَلِكَ لِلْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَالْمُخْتَارُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ النَّكِرَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْفَتْحِ فَبِاللُّزُومِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا فَبِالْوَضْعِ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَعْنِي نَفْيَ الْكُلِّيَّةِ أَوْ الْكُلِّيِّ جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute