للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ هَذَا النَّصَّ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: لَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْكِتَابِ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ خَرُوفٍ فِي مَوَاضِعَ نَقَلَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وَلَمْ يَرَهَا فِي كِتَابِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا مِنْهَا.

وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ دَلَالَةَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ عَلَى الْعُمُومِ مُتَفَاوِتَةٌ، وَتَجِيءُ عَلَى مَرَاتِبَ: فَأَدْنَاهَا مَا جَاءَنِي رَجُلٌ، لِعَدَمِ دُخُولِ " مِنْ " وَلِعَدَمِ اخْتِصَاصِ رَجُلٍ بِالنَّفْيِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْعُمُومِ لَا نَصَّ، وَأَعْلَاهَا مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، لِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْعُمُومِ وَالْمَرْتَبَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، وَمَا جَاءَنِي أَحَدٌ، وَهِيَ تَلْحَقُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي وَتَلْحَقُ بِهِ النَّكِرَةُ الْمَبْنِيَّةُ مَعَ " لَا " عَلَى الْفَتْحِ، فَأَمَّا الْمَرْفُوعَةُ فَلَيْسَتْ نَصًّا، بَلْ ظَاهِرٌ، كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ. تَتِمَّاتٌ

الْأُولَى: أَنَّ حُكْمَ الْمَنْهِيِّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمَنْفِيِّ، كَقَوْلِكَ: لَا تَعِظْ نَاسًا وَلَا تَعِظْ رِجَالًا، كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ.

الثَّانِيَةُ: زَعَمَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ " أَنَّ النَّكِرَةَ فِي النَّفْيِ أَفَادَتْ الْعُمُومَ بِصِيغَتِهَا لَا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهَا، وَصَرَّحَ الرَّازِيَّ بِخِلَافِهِ وَهُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّ لَا رَجُلَ عَمَّتْ بِزِيَادَةٍ دَخَلَتْ عَلَى رَجُلٍ، وَكَذَا قَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، إنَّمَا عَمَّتْ النَّكِرَةُ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْكَلَامِ، وَتَحْقِيقِ غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْإِفْهَامِ لَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ بِصِيغَتِهِ، فَالْعُمُومُ فِيهِ مِنْ الْقَرِينَةِ، هَذَا لَفْظُهُ، وَقَطَعَ بِهِ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي " التَّقْوِيمِ " فَقَالَ: النَّكِرَةُ عَمَّتْ اقْتِضَاءً لَا نَصًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>