الْإِكْرَامَ مَنْ أَتَى بِمَالٍ وَاحِدٍ، بَلْ كَانَ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْأَمْوَالِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ جَاءَنِي بِكُلِّ مَالٍ، وَكَأَنَّ هَذَا مِنْهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمِثَالِ، لَا الِاسْتِثْنَاءِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّكِرَةُ هُنَا لَمْ تَقْتَضِ عُمُومًا إذْ الْمَطْلُوبُ مَالٌ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا الْعُمُومُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ. لَا فِي مُتَعَلِّقِ الشَّرْطِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عُمُومِ الشَّرْطِ عُمُومُ مَا وَقَعَ فِي مَسَاقِهِ، فَإِذَا قُلْت: مَنْ يَأْتِنِي بِزَيْدٍ فَالْعُمُومُ فِي الْآتِي لَا فِي الْمَأْتِيِّ بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ لَا تَتَنَاوَلُ الْآحَادَ عُمُومًا، وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُهَا عَلَى الْبَدَلِ، وَلَوْ كَانَتْ عَامًّا فِي الشَّرْطِ لَعَمَّتْ مَعَ الْأَمْرِ، إذَا قَالَ: ائْتِنِي بِثَوْبٍ، فَلَوْ أَتَاهُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَكَانَ مُمْتَثِلًا وَلَوْ أَتَاهُ بِعَشَرَةٍ كَانَ حَائِدًا عَنْ الْمَطْلُوبِ، فَلَوْ كَانَ لَفْظُ الثَّوْبِ يَتَنَاوَلُ الْعَشَرَةَ لَمَا عُدَّ مُخَالِفًا.
وَمِنْهَا: الْوَاقِعَةُ فِي حَيِّزِ الْإِنْكَارِ الِاسْتِفْهَامِيِّ، فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ كَالنَّفْيِ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: ٦٥] {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: ٨] .
وَمِنْهَا: الْوَاقِعَةُ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي الْبُرْهَانِ " لَكِنْ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْبَيَانِيِّينَ: إنَّ النَّكِرَةَ تَأْتِي لِلتَّكْثِيرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ التَّكْثِيرَ هُوَ التَّعْمِيمُ أَوْ مُلَازِمُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا لِلتَّكْثِيرِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} [الغاشية: ١٢] .
وَمِنْهَا: الْوَاقِعَةُ فِي سِيَاقِ الطَّلَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] فَإِنَّ حَسَنَةً نَكِرَةٌ مُرَادٌ بِهَا التَّعْمِيمُ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ جَوَامِعِ الْأَدْعِيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute