وَالْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَدُلُّ الْمُتَعَدِّيَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، لَكِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ، فَدَلَالَتُهَا عَلَى الْمَصْدَرِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ دَلَالَةٌ بِالْوَضْعِ، لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ بِلَفْظِهَا، وَعَلَى ظَرْفِ الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ بِصِيغَتِهَا، وَدَلَالَتُهَا عَلَى الْبَاقِي بِالْمُقْتَضَى لَا بِالْوَضْعِ، ثُمَّ إنْ دَلَّتْ عَلَى الْمَصْدَرِ بِالْوَضْعِ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، كَدَلَالَةِ أَكَلَ وَيَأْكُلُ عَلَى الْأَكْلِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنْوَاعِ الْأَكْلِ كَالْخَضْمِ وَالْقَضْمِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَشْخَاصِ أَنْوَاعِهِ كَخَضْمِ زَيْدٍ وَقَضْمِ عَمْرٍو، فَدَلَالَتُهَا عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُطْلَقِ وَعَلَى تَفَاصِيلِهِ مُجْمَلٌ، وَلِذَلِكَ تَدُلُّ بِصِيغَتِهَا عَلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ مُطْلَقًا، كَدَلَالَةِ أَكَلَ عَلَى الْمَاضِي، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَمْسِ الْمُعَيَّنِ وَعَامِ أَوَّلٍ، وَدَلَالَةُ يَأْكُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْيَوْمِ وَغَدًا، فَدَلَالَتُهَا عَلَى الْمَاضِي الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُضَارِعِ الْمُطْلَقِ نَصٌّ، وَدَلَالَتُهَا عَلَى أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهَا مُجْمَلٌ.
وَقَدْ أُورِدَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ مَوَاقِفَهُمْ عَلَى نِيَّةِ التَّخْصِيصِ فِيمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْمَصْدَرِ، فَقَالَ: لَا آكُلُ أَكْلًا، فَالْفِعْلُ دَالٌّ عَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّصْرِيحِ بِهِ وَعَدَمِهِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْمَصْدَرَ الثَّابِتَ لُغَةٌ فِي قَوْلِهِ: لَا آكُلُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ لَا عَلَى الْأَفْرَادِ، بِخِلَافِ لَا آكُلُ أَكْلًا، فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْعُمُومِ، فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالنِّيَّةِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُمْ حَنَّثُوهُ بِكُلِّ أَكْلٍ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَصْدَرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَمَا تَوَجَّهَ ذَلِكَ، وَغَايَةُ مَا قَالُوا فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا آكُلُ مَعْنَاهُ لَا أُوجِدُ مَاهِيَّةَ الْآكِلِ، وَهُوَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْقَرَافِيُّ عَلَى فَرْقِ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّ مَنْعَ عُمُومِ الْمُقْتَضَى لِأَجْلِ أَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ يَتِمُّ بِتَقْدِيرٍ وَاحِدٍ، فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ، فَلَا عُمُومَ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي هَذِهِ الْمَفَاعِيلِ، وَهَذَا لَا يَجِيءُ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى مَفْعُولٍ أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute