وَالثَّالِثُ: أَلْفَاظٌ مُبْهَمَةٌ نَحْوُ " مَا وَمَنْ "، وَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ وَاحِدٍ.
وَالرَّابِعُ: النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ نَحْوُ لَمْ أَرَ رَجُلًا، وَذَلِكَ يَعُمُّ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْكَلَامِ، وَتَحْقِيقِ غَرَضِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ الْإِفْهَامِ، لَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ بِصِيغَتِهِ، فَالْعُمُومُ فِيهِ مِنْ الْقَرِينَةِ، فَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ. انْتَهَى. وَقَالَ إلْكِيَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يَرِدْ عَلَى سَبَبٍ أَقْوَى مِنْ الْوَارِدِ، وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا فِي التَّمَسُّكِ بِعُمُومِهِ دُونَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ: بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْبَاحِثِينَ لَا الْمُصَنِّفِينَ فِي مَنْعِ تَفَاوُتِ رُتَبِ الْعُمُومِ نَظَرًا إلَى أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ وَضْعِيَّةٌ وَلَا تَفَاوُتَ فِي الْوَضْعِ وَتَنَاوُلَهُ لِلْأَفْرَادِ.
وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُسْتَصْفَى بِتَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الْعُمُومِ فِي تَنَاوُلِهَا لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، لَكِنْ هَذَا التَّفَاوُتُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ وَإِنَّمَا هُوَ لِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهُ، وَالْعُمُومُ يَضْعُفُ بِأَنْ لَا يَظْهَرَ فِيهِ قَصْدُ التَّعْمِيمِ، وَسِرُّ ذَلِكَ بِأَنْ يَكْثُرَ الْمَخْرَجُ مِنْهُ، وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَخْصِيصَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَمَثَّلَهُ بِأَصْلِ دَلَالَةِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ دَلَالَةَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ» عَلَى تَحْرِيمِ الْأَرُزِّ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَةِ هَذَا الْعُمُومِ عَلَى تَحْلِيلِهِ، وَلِهَذَا جَوَّزَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ. دُونَ مَا بَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ، قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ ذَلِكَ عِنْدَنَا فِيمَا بَقِيَ عَامًّا، لِأَنَّا لَا نَشُكُّ فِي أَنَّ الْعُمُومَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ تَخْتَلِفُ بِالْقُوَّةِ لِاخْتِلَافِ ظُهُورِ إرَادَةِ قَصْدِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى بِهَا، فَإِذَا تَقَابَلَا وَجَبَ تَقْدِيمُ أَقْوَى الْعُمُومَيْنِ، وَكَذَا الْقِيَاسَانِ إذَا تَقَابَلَا وَجَبَ تَقْدِيمُ أَجْلَاهُمَا وَأَقْوَاهُمَا قَالَ الشَّيْخُ: أَمَّا ظُهُورُ قَصْدِ التَّعْمِيمِ فَلَا شَكَّ فِي اقْتِضَائِهِ الْقُوَّةَ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي الضَّعْفِ عَدَمُ قَصْدِ التَّعْمِيمِ، أَوْ قَصْدُ عَدَمِ التَّعْمِيمِ؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ " الْمُسْتَصْفَى " الْأَوَّلُ، ثُمَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَرَائِنَ خَارِجَةٍ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَنَحْوِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute