ثُمَّ قَسَّمُوا الْمَرَاتِبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقْصِدْ التَّعْمِيمَ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا لُغَةً، كَقَوْلِهِ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» فَإِنَّ سِيَاقَهُ لِبَيَانِ قَدْرِ الْوَاجِبِ لَا غَيْرُ، فَهَذَا لَا عُمُومَ لَهُ فِي قَصْدِهِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤] لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْآلَةِ الْمُطَهِّرَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَمْرُ بِأَصْلِ التَّطْهِيرِ.
الثَّانِي: لَفْظٌ عَامٌّ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ التَّعْمِيمِ بِقَرِينَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى اللَّفْظِ، فَحَكَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يُؤَوَّلُ بِقِيَاسٍ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْقَرِينَةُ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالتَّعْمِيمِ صَارَ نَصًّا، وَإِنْ لَمْ يُفِدْهُ إلَّا قُوَّةَ الظَّنِّ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِقِيَاسٍ أَجْلَى مِنْهُ فِي النَّظَرِ؟ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْإِطْلَاقِ
الثَّالِثُ: لَفْظٌ عَامٌّ لُغَةً وَلَا قَرِينَةَ مَعَهُ فِي تَعْمِيمٍ، وَلَا تَقْتَضِيهِ، فَالْوَاجِبُ إذَا أُوِّلَ وَعُضِّدَ بِقِيَاسٍ اتِّبَاعُ الْأَرْجَحِ فِي الظَّنِّ، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَقَفَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَدَّمَ الْإِمَامُ الْخَبَرَ لِنَصِّيَّتِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . انْتَهَى.
وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَقُولُ، إنَّهُ لَوْ قُدِّمَ ظَنِّيُّ الْقِيَاسِ عَلَى ظَنِّيِّ اللَّفْظِ لَكَانَ تَقْدِيمًا لِمَرْتَبَةِ الْقِيَاسِ عَلَى مَرْتَبَةِ الْخَبَرِ، وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى تَقْدِيمِ الْأَرْجَحِ فِي الظَّنِّ فَقِيَاسُ الشَّبَهِ ضَعِيفٌ، فَإِنْ قِيلَ بِهِ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَى رُتْبَتِهِ؛ وَرُتْبَتُهُ الْعُمُومُ، وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْجُزْئِيَّاتِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْقِيَاسُ الشَّبَهِيُّ إلَّا عِنْدَ ضَعْفِ الْعُمُومِ ضَعْفًا شَدِيدًا، بِحَيْثُ يَكُونُ قِيَاسُ الشَّبَهِ أَغْلَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute