مُقْتَضَى الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ رُؤْيَةُ الْوَاحِدِ سَبَبًا لِلتَّوْبِيخِ عَلَى التَّبَرُّجِ لِلْجِنْسِ، وَلِهَذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْجَمْعِ هُنَا أَحْسَنَ مِنْ الْإِفْرَادِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَبَيْنَ كَوْنِ الْوَاحِدِ سَبَبًا لِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
وَأَقُولُ فِي تَحْرِيرِ مَقَالَةِ الْإِمَامِ: إنَّ هَاهُنَا مَقَامَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ.
وَالثَّانِي: بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَمْلِ كَنَظِيرِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ.
فَالْأَوَّلُ: أَنْ يُطْلِقَ الْمُتَكَلِّمُ لَفْظَ الْجَمْعِ وَيُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدَ، وَهَذَا لَا مَنْعَ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُعَظِّمًا نَفْسَهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُورِدَ لَفْظَ الْجَمْعِ هَلْ يَصِحُّ مِنْ السَّامِعِ رَدُّهُ إلَى الْوَاحِدِ؟ وَهَذَا مَوْضِعُ كَلَامِ الْإِمَامِ، فَذَهَبَ. الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَالَ الْإِبْيَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ " إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْجَمْعِ، وَلِذَلِكَ صَارَ الْمُعْظَمُ إلَى أَنَّ أَلْفَاظَ الْعُمُومِ نَصٌّ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِحَّةَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُسَلَّمَةِ الرَّدِّ، وَأَنَّهُ إنْ وُجِدَ هُنَاكَ ثَلَاثَةٌ صَحَّ الرَّدُّ إلَيْهَا وِفَاقًا، وَإِنْ وُجِدَ اثْنَانِ انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَإِنْ رُدَّ إلَى الْوَاحِدِ بَطَلَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّهُ بِانْتِهَاءِ اللَّفْظِ إلَى أَنْ بَطَلَ الْمُخَصَّصُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّفْظَ نَصٌّ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ، فَحَمْلُهُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحْسُنُ حِكَايَةُ قَوْلٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ أَقَلَّهُ وَاحِدٌ. لَكِنْ تَابَعْتُ ابْنَ الْحَاجِبِ عَلَى مَا فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute