فُلَانٌ يَرْكَبُ الدَّوَابَّ، وَيَلْبَسُ الْبُرُودَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ بِالِاتِّفَاقِ.
قَالَ: وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ: أَتُكَلِّمِينَ الرِّجَالَ. وَيُرِيدُ رَجُلًا وَاحِدًا فَفِيهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْجَمْعِ بَدَلًا عَنْ لَفْظِ الْوَاحِدِ لِتَعَلُّقِ غَرَضِ الزَّوْجِ بِجِنْسِ الرِّجَالِ، لَا أَنَّهُ عَنَى بِلَفْظِ الرَّجُلِ رَجُلًا وَاحِدًا. قُلْت: هَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُطْلِقْ الرِّجَالَ عَلَى وَاحِدٍ؛ بَلْ عَلَى جَمْعٍ، لِظَنِّهِ أَنَّهَا مَا تَبَرَّجَتْ لِوَاحِدٍ إلَّا وَقَدْ تَبَرَّجَتْ لِغَيْرِهِ، فَتَبَرُّجُهَا لِوَاحِدٍ سَبَبٌ لِلْإِطْلَاقِ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِرِجَالٍ وَاحِدٌ.
وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ. قَالَ: لَكِنْ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ خَالَفَ فِيهِ، وَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَبْقَى فِي تَنَاوُلِهِ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ مُنَزِّلُ الذِّكْرَ، فَإِذَا ثَبَتَتْ الْعِبَارَةُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَنْ الْوَاحِدِ لَمْ يُسْتَنْكَرْ حَمْلُ الْعُمُومِ الْمُخَصَّصِ عَلَى الْوَاحِدِ حَقِيقَةً
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَلْفَاظِ الْجُمُوعِ، وَالْوَاحِدُ الْعَظِيمُ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ لِأَهْلِ اللِّسَانِ فِي مَقَامِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَجْرِي هَذَا فِي جَانِبِ الْعُمُومِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: شَارِحُ الْبُرْهَانِ " الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَى وَاحِدٍ، لِبُطْلَانِ حَقِيقَةِ الْجَمْعِ، وَلِهَذَا صَارَ الْمُعْظَمُ إلَى أَنَّ أَلْفَاظَ الْعُمُومِ نُصُوصٌ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ هُوَ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute