وَاعْتُرِضَ عَلَى مَا قَالَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ حَقِيقَةَ الْحَالِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَلِأَجْلِ هَذَا حَكَى الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ أَنَّ بَعْضَهُمْ زَادَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَقَالَ: حُكْمُ الشَّارِعِ الْمُطْلَقِ فِي وَاقِعَةٍ سُئِلَ عَنْهَا وَلَمْ تَقَعْ بَعْدُ عَامٌ فِي أَحْوَالِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ الرَّسُولُ كَيْفَ وَقَعَتْ، وَإِنْ عَلِمَ فَلَا عُمُومَ، وَإِنْ الْتَبَسَ هَلْ عَلِمَ أَمْ لَا؟ فَالْوَقْفُ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمُوجِبِ لِلْوَقْفِ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ بِالْحَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ، فَيَعُودُ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي لَمْ تُعْلَمُ حَقِيقَةُ وُقُوعُهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْقَطْعَ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ، فَيَتَوَجَّهُ السُّؤَالُ، وَتَأَوَّلَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَدِيثَ عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ وَقَعَ مُرَتَّبًا فَإِنَّ الْأَرْبَعَ الْأُوَلَ تَصِحُّ، وَيَبْطُلُ فِيمَا عَدَاهُ.
وَأَجَابَ الْإِمَامُ أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ بِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَعْرِفَةِ بِكَيْفِيَّةِ وُقُوعِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْلَانَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَوْجَاتِهِ فِي نِهَايَةِ الْبَعْدُ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي الْعُمُومَ فِي كُلِّ مَا يَظْهَرُ فِيهِ اسْتِفْهَامُ الْحَالِ، وَيَظْهَرُ مِنْ الشَّارِعِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مُسْتَرْسِلًا عَلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا.
قُلْت: وَلَا سِيَّمَا وَالْحَالُ حَالُ بَيَانٍ بِحُدُوثِ عَهْدِ غَيْلَانَ بِالْإِسْلَامِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مَا يَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ «نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: فَارِقْ وَاحِدَةً، وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا، قَالَ: فَعُدْتُ إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَاقِرٌ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً، فَفَارَقْتُهَا» ، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ وَقَعَ مُرَتَّبًا، وَالْجَوَابُ وَاحِدٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute