للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحْصُولِ " نَعَمْ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يُخَالِفُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِلَفْظِهِ، وَلَفْظُهُ مَعَ تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى الْعُمُومِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ اسْتَشْكَلَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَنَّ قَضَايَا الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال. قَالَ الْقَرَافِيُّ: سَأَلْتُ بَعْضَ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ جَمَعَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاحْتِمَالِ الْمَانِعِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ، الِاحْتِمَالُ الْمُسَاوِي أَوْ الْقَرِيبُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِمَالِ الَّذِي لَا يَقْدَحُ الِاحْتِمَالُ الْمَرْجُوحُ، فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الدَّلَالَةِ، فَلَا يَصِيرُ اللَّفْظُ بِهِ مُجْمَلًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الظَّوَاهِرَ كُلَّهَا كَذَلِكَ لَا تَخْلُو عَنْ احْتِمَالٍ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَرْجُوحًا لَمْ يَقْدَحْ فِي دَلَالَتِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الِاحْتِمَالَ تَارَةً يَكُونُ فِي دَلِيلِ الْحُكْمِ، وَتَارَةً فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال دُونَ الثَّانِي.

وَمَثَّلَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سِيقَ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخَضْرَاوَاتِ، كَمَا يَقُولُ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَيَكُونُ الْعُمُومُ مَقْصُودًا لَهُ، لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ اللَّفْظُ لِبَيَانِ مَعْنًى لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا إنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ دُونَ الْوَاجِبِ فِيهِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْوَاجِبِ فِيهِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ الِاحْتِمَالَاتُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>