عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ مَعَ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ الْإِسْنَادُ بِالْمُضْمَرِ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُضْمَرَ كَالْمَذْكُورِ لَفْظًا، وَلِهَذَا لَهُ عُمُومٌ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك، وَنَوَى ثَلَاثًا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، إذْ الْمَصْدَرُ مُضْمَرٌ فِيهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقًا، وَأَمَّا الْمُقْتَضِي فَلَيْسَ هُوَ كَالْمَذْكُورِ لَفْظًا، وَكَذَا لَا يَعُمُّ، وَرُدَّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ إضْمَارَ الْمَصْدَرِ فِي الْأُولَى، لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ.
قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَاللَّفْظُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَالْمُقْتَضِي أَعَمُّ مِنْ الْمُضْمَرِ، لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ قَدْ يَكُونُ مَشْعُورًا بِهِ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، بِخِلَافِ الْمُضْمَرِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا يَكُونُ مَشْعُورًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَضْمَرَهُ الْمُتَكَلِّمُ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ مُضْمَرٍ مُقْتَضًى، وَلَا عَكْسُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِضْمَارَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْبَاقِي، بِخِلَافِ الِاقْتِضَاءِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِضْمَارِ تَغْيِيرُ إسْنَادِ اللَّفْظِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُضْمَرِ، وَفِي الِاقْتِضَاءِ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» وَقَدْ لَا يَكُونُ كَمَا فِي اصْعَدْ السَّطْحَ، وَكَذَلِكَ فِي اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَةِ الْغَفْلَةِ عَنْ الشَّيْءِ وَتَغَيُّرِ الْإِسْنَادِ، وَهُمَا مُتَّحِدَانِ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكَلَامِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ ": وَجَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ مِنَّا وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مَا يُضْمَرُ فِي الْكَلَامِ لِتَصْحِيحِهِ عَلَى أَقْسَامٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute