الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا، وَمِنْ تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ تَحْرِيمُ وَطْئِهِنَّ، بِخِلَافِ نَحْوِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْفُوعِ الْحُكْمُ أَوْ غَيْرُهُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ وَدَلَالَةِ الْإِضْمَارِ]
الثَّالِثُ: الْكَلَامُ فِي هَذِهِ يَسْتَدْعِي فَهْمَ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ، وَهَلْ هِيَ مُغَايَرَةٌ لِلْإِضْمَارِ؟ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ إلَى عَدَمِ الْمُغَايَرَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ شَيْءٍ مِنْ الْكَلَامِ، لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ إلَيْهِمَا، لَا إلَى اللَّفْظِ، إذْ اللَّفْظُ صَحِيحٌ مِنْهُمَا، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْفَرْقِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ التَّغَايُرِ عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ أَنَّ الِاقْتِضَاءَ إثْبَاتُ شَرْطٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ اللَّفْظِ، نَحْوُ اصْعَدْ السَّطْحَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي نَصْبَ السُّلَّمِ، وَهُوَ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الصُّعُودِ، وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ اللَّفْظِ، بِخِلَافِ الْإِضْمَارِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ أَمْرٍ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ اللَّفْظِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ.
وَلَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ اللَّفْظِ عَلَى إضْمَارِ الْأَهْلِ، لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُحِيلُ السُّؤَالَ مِنْ الْقَرْيَةِ.
وَثَانِيهَا: ذَكَرَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " الْكَشْفِ شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ " أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِضْمَارِ تَغْيِيرُ إسْنَادِ اللَّفْظِ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُضْمَرِ كَالْأَهْلِ فِي {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] ، بِخِلَافِ الِاقْتِضَاءِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى الْإِسْنَادُ عَلَى حَالِهِ، وَرُدَّ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رُفِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute