وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ عِنْدَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَكْلِ؛ بَلْ يَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الصَّلَاةِ وَبَيْعُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ، وَلَمْ يُعَدَّهُ لِلشَّعْرِ، لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، فَنَجَاسَتُهُ ثَابِتَةٌ عِنْدَهُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ» الْحَدِيثَ، إلَّا أَنْ يُقَرِّرَ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ تَحْرِيمَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ ظَاهِرٌ فِي نَجَاسَتِهَا، وَإِذَا تَنَجَّسَتْ بِالْمَوْتِ لَزِمَ مِنْ النَّجَاسَةِ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا مَا طَهُرَ بِالدِّبَاغِ، فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ نَاشِئَةٌ عَنْ النَّجَاسَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ إجْمَالٌ وَلَا تَكْثِيرُ إضْمَارٍ، وَهَذَا تَقْرِيرٌ حَسَنٌ.
وَلَمْ يَسْلُكْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ؛ بَلْ قَدَّرَ إنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ التَّصَرُّفَ فِي الْمَيْتَةِ، لِيُفِيدَ عُمُومَ التَّصَرُّفِ، كَالْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَالْمُلَابَسَاتِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمُتَعَارَفُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لَا تَحْرِيمِ أَكْلِهَا. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ ضَعْفٌ لَا يَخْفَى، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَرَّرَهُ فِي الْمَحْصُولِ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» دَلِيلُ انْصِرَافِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ إلَى أَكْلِهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ الْمُلَابَسَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ ظَاهِرٌ فِي النَّجَاسَةِ، وَهُوَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ يَصْلُحُ لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ وَالنَّجَاسَةِ عَلَيْهِ لِلْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَقُمْ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِ الْمُقَدَّرَيْنِ دَلِيلٌ، أَمَّا إذَا اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ قَرِينَةٌ تُعَيِّنُهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] ، فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute