أَقْرَبَ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ الْجَوَازُ مَثَلًا، سَوَاءٌ كَانَ أَعَمَّ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَالْخَصْمُ يُقَدِّرُ الْكُلَّ، ثُمَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَقُولُ هُنَا: إنَّ الْخَصْمَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّرَ الْكُلَّ إلَّا إذَا لَمْ يُنَافِ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنْ تَنَافَيَا وَارْتَكَبَ تَقْدِيرَ الْكُلِّ فَقَدْ أَسَاءَ، مِثْلُ " لَا صِيَامَ " فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْكَمَالِ يُنَافِي تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ، إذْ نَفْيُ الْكَمَالِ مِنْهُمْ إثْبَاتُ الصِّحَّةِ، فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ مَعَ تَقْدِيرِ نَفْيِ الصِّحَّةِ مَعَهُ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ انْتِفَاءُ الْفَضِيلَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْجَوَازِ: لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْجَوَازِ، فَيُتَصَوَّرُ انْتِفَاءُ الْفَضِيلَةِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْخِلَافُ فِي هَذَا إنَّمَا يُمْكِنُ فِيمَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَضْمُونِهِ.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يَظْهَرَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ بِدَلِيلٍ مُسْتَفَادٍ مِنْ خَارِجٍ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَ هُنَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، بَلْ يُقَدَّرُ مَا ظَهَرَ، فَإِنْ كَانَ عَامًّا فَهُوَ عَامٌّ، وَإِلَّا فَلَا، فَالْعَامُّ كَقَوْلِهِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] أَيْ وَقْتُ الْحَجِّ، وَالْخَاصُّ كَقَوْلِهِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» أَيْ لَا تَجِبُ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى جَوَازِهَا، وَصَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِدَلِيلٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَامٌّ، كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ قَدْ تَعَيَّنَتْ.
الثَّانِي: أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ قَالُوا: إذَا تَعَيَّنَ لِلْمُقْتَضَى أَحَدُ الْمُضْمَرَاتِ، كَانَ كَظُهُورِهِ فِي اللَّفْظِ، وَرَدُّوا ادِّعَاءَ الْكَرْخِيِّ الْإِجْمَالَ، فَإِنَّ الَّذِي يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا، وَمِنْ تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ تَحْرِيمُ وَطْئِهِنَّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ فَلَا إجْمَالَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute