وَقَدْ اخْتَارَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " قَرِيبًا مِنْ هَذَا، فَقَالَ: وَالْأَقْرَبُ فِي هَذَا عِنْدَنَا أَنَّ الصَّحَابِيَّ الْعَالِمَ بِاللِّسَانِ إذَا قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَبَّرَ عَنْ إثْبَاتِ مَعْنًى وَحُكْمٍ لَيْسَ لَهُ فِي اللِّسَانِ أَلْفَاظٌ مُحْتَمَلَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ رِوَايَتِهِ اللَّفْظَ وَإِنْ ذُكِرَ عَنْهُ مَعْنًى وَهُوَ مِمَّا لَهُ عِبَارَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَجَبَ مُطَالَبَتُهُ بِحِكَايَةِ اللَّفْظِ. اهـ.
وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَنَّ الْقَرَافِيَّ جَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةً عَلَى جَوَازِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ امْتَنَعَتْ الْمَسْأَلَةُ، لِأَنَّ " قَضَى " لَيْسَ هُوَ لَفْظُ الشَّارِعِ، وَإِنْ جَوَّزْنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَشَرْطُهُ الْمُسَاوَاةُ فَإِذَا رَوَى الْعَدْلُ اللَّفْظَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ " كَالْغَرَرِ "، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكِيُّ عَامًّا، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ قَدْحًا فِي عَدَالَتِهِ حَيْثُ رَوَى بِصِيغَةِ الْعُمُومِ مَا لَيْسَ عَامًّا، فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُنَا الْحُجَّةُ فِي الْمَحْكِيِّ لَا فِي الْحِكَايَةِ؛ بَلْ الْحُجَّةُ فِي الْحِكَايَةِ، لِأَجْلِ قَاعِدَةِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى. وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ رَابِعٌ وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الْبَاءُ فَلَا عُمُومَ لَهُ، كَقَوْلِهِ: «قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ» ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا لِكُلِّ جَارٍ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْقَضِيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ، وَبَيْنَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفِ " أَنَّ "، فَيَكُونُ لِلْعُمُومِ، كَقَوْلِهِ: (قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ) ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ ذَلِكَ حِكَايَةُ لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلِذَلِكَ صَحَّ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهَا، حَكَاهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ "، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " شَرْحِ اللُّمَعِ " وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَصَحَّحَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute