وَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ» ، ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ أَيْضًا، وَأَنَّهُ مِثْلُ " قَضَى "، وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، لِأَنَّ " أَمَرَ، وَنَهَى " عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خِطَابَا التَّكْلِيفِ اللَّذَانِ هُمَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ الصَّحَابَةُ مَأْمُورًا وَلَا مَنْهِيًّا مَخْصُوصًا، عُلِمَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ كُلُّ الْمُكَلَّفِينَ كَسَائِرِ خِطَابَاتِ التَّكْلِيفِ ثُمَّ إنْ صَدَّرَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ يَتَوَجَّهُ لِلْجَمْعِ.
قُلْت: وَقَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ بِمُطْلَقٍ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِهِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» وَقَدْ احْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَكَذَلِكَ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» .
وَقَالَ الْقَاضِي: اسْتِدْلَالُ الْفُقَهَاءِ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّيَغِ، إنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ التَّعَلُّقُ بِهِ. وَمَا رُوِيَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ بِقَضِيَّةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لِعُمَرَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ «الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» ، فَإِنَّهُمَا إنَّمَا احْتَجَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute