وَأَجَابَ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، بِأَنَّهَا لُغَةٌ شَاذَّةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَصِيحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ هِيَ الْفَصِيحَةُ فِي بَابِ الْحِكَايَةِ وَظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ، وَهُوَ وَهْمٌ، بَلْ هِيَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَوَهَمَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ قَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا عَلَى اللَّفْظِ، وَجَمْعًا عَلَى الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٢] {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٣] وَهَذِهِ لَيْسَتْ شَرْطِيَّةً بَلْ مَوْصُولَةٌ، وَتَبِعَهُ إِلْكِيَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَإِنَّمَا الْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ بِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَقْصِدْ حِينَئِذٍ بِهَا مَعْنَاهَا الْأَصْلِيَّ، وَإِنَّمَا تَأْتِي بِهِ فِي حِكَايَةِ النَّكِرَاتِ خَاصَّةً، فَيَحْصُلُ الشَّبَهُ بَيْنَ كَلَامِ الْحَاكِي وَالْمُخْبِرِ، فَإِذَا قَالَ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ. قَالَ لَهُ الْمُسْتَفْهِمُ: " مِنْهُ "؟ لِلْمُحَاكَاةِ، لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ إلَّا بِعَلَامَةِ التَّأْنِيثِ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ " مَنْ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَامَةُ تَأْنِيثٍ يُفْصَلُ بِهَا بِالْأَصَالَةِ، لَكِنْ يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ تَأْنِيثِ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَهَا وَتَذْكِيرِهِ، نَحْوُ مَنْ فَعَلَ كَذَا، وَمَنْ فَعَلَتْ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَذْكِيرُ الْفِعْلِ وَتَأْنِيثُهُ مُرَاعَاةً لِلَفْظِهَا تَارَةً، وَلِمَعْنَاهَا أُخْرَى. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} [الأحزاب: ٣١] فَذَكَّرَ الْفِعْلَ أَوَّلًا، ثُمَّ أَنَّثَهُ، وَالْخِطَابُ فِيهِمَا لِلْإِنَاثِ.
فُرُوعٌ يَنْبَغِي بِنَاؤُهَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ:
مِنْهَا: أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ هَلْ تُقْتَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ) أَوْ لَا تَعُمُّ؟ وَمِنْهَا: إذَا قَتَلَتْ هَلْ لَهَا السَّلَبُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالْأَصَحُّ تَعُمُّ، لِعُمُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute