للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ، أَوْ مُخَاطَبَةً بِخِطَابِ الْمُوَاجَهَةِ نَحْوُ يَا زَيْدُ، وَتَارَةً تَكُونُ مُتَعَلَّقَ الْحُكْمِ، نَحْوُ اصْحَبْ الْعُلَمَاءَ فَالْمُسَمَّيَاتُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً حَالَ الْحُكْمِ أَوْ الْخِطَابِ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْخَارِجِ فَرْعُ وُجُودِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُ مَعَهَا، وَمَدَارُهَا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ، بَلْ اللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِيمَا وُجِدَ وَسَيُوجَدُ مِنْهَا، كَقَوْلِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ: اصْحَبْ الْعُلَمَاءَ، لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ يَكُونُ عَالِمًا حَالَ الْخِطَابِ، وَبَيْنَ مَنْ سَيَصِيرُ عَالِمًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اقْطَعُوا السَّارِقَ وَحُدُّوا الزُّنَاةَ، وَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى نَحْوِ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] وَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢] يَتَنَاوَلُ مُشْرِكِي زَمَانِنَا، وَسُرَّاقَهُمْ، وَزُنَ لَا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، لَكِنْ اتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الِاتِّصَافَ بِالصِّفَةِ الْمُشْتَقَّةِ لِمَنْ لَمْ تَعُمَّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قِيَامِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَجَازٌ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠] وَلَا طَرِيقَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الِاتِّفَاقَيْنِ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الصِّفَةِ مَحْكُومًا بِهَا، وَكَوْنِهَا مُتَعَلَّقَ الْحُكْمِ.

وَقَدْ اعْتَرَضَ النَّقْشَوَانِيُّ فِي " تَلْخِيصِ الْمَحْصُولِ " عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ الْمَعْدُومَ يَكُونُ مُخَاطَبًا بِالْخِطَابِ السَّابِقِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ خِطَابِ الْمُشَافَهَةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَنْ سَيُوجَدُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ، وَتَعَلُّقُ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ لَيْسَ مِنْ بَابِ أَوْضَاعِ اللُّغَةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ، وَلِذَلِكَ مَثَّلُوهُ بِأَنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ طَلَبَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ، وَاَلَّذِي مِنْ وَلَدٍ سَيُوجَدُ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مُعْتَمَدَ الْقَوْلِ بِأَنَّ خِطَابَ الْمُشَابَهَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ، أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ مِثْلَ: قُومُوا، وَلَا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ خِطَابًا لِلْمَعْدُومِ؛ بَلْ وَلَا لِلْمَوْجُودِ الْغَائِبِ، بَلْ الْحَاضِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>