وَجَعَلَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " مِنْ هَذَا الضَّرْبِ قَوْلَهُ: «أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» فَقَالَ: لِأَنَّ الضَّمِيرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَعَلُّقٍ بِمَذْكُورٍ قَبْلَهُ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُبْتَدَأُ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَمِنْ شَأْنِهِ صَدْرُ الْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا قَبْلَهُ، وَقَدْ رَجَعَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَجَعَلَهُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ اسْتَقَلَّ الْجَوَابُ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ وَرَدَ مُبْتَدَأً لَكَانَ كَلَامًا تَامًّا مُفِيدًا لِلْعُمُومِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ، كَمَا لَوْ سُئِلَ عَنْ مَاءِ بُضَاعَةَ وَمَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ فُورَكٍ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مَقْصُودًا فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَمَثَّلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ " هَذَا الْقِسْمَ بِحَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.
قَالَ: وَالظَّاهِرُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْتَاقُ بِالْوُقُوعِ الْمَذْكُورِ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ، لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الَّذِي اقْتَضَى الْحُكْمَ وَآثَارَهُ، فَيَعُمُّ كُلَّ مَنْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ.
قَالَ: وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَا رُوِيَ أَنَّ «أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، مُضَمَّخٌ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ: وَعَلَى هَذِهِ الْجُبَّةِ، فَقَالَ: أَحْرَمْت انْزِعْ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ الصُّفْرَةَ» ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْفِدْيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute