للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاجِبَةٍ، وَالسَّبَبُ عُلِّقَ الْحُكْمُ بِمِثْلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ جَرَيَانُ الْخِلَافِ إلَّا فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ ": ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ " أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ يَكُونُ أَصْلًا، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مِثْلَهُ يَكُونُ فَرْعًا لَهُ بِعِلَّةٍ تَعَدَّتْ إلَيْهِ، كَمَا كَانَ الْأَرُزُّ فَرْعًا لِلْبُرِّ فِي إثْبَاتِ الرِّبَا فِيهِ. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ خِطَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَاحِدٍ خِطَابٌ لِلْجَمَاعَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ فَرْعًا لَهُ لَكَانَ هُوَ أَيْضًا فَرْعًا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ أَخَصَّ مِنْ السُّؤَالِ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ، فَيَقُولُ: مَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ، فَيَخُصُّ الْجَوَابَ بِالْبَعْضِ، وَلَا يَعُمُّ بِعُمُومِ السُّؤَالِ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمَا. لَكِنْ كَلَامُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا تَمَسُّ إلَى بَيَانِ مَا خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْحَاجَةَ عَامَّةٌ فِي بَيَانِ جُمْلَةِ الْمِيَاهِ فَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ.

وَلِهَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: إنْ قِيلَ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ لَا يُطَابِقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّؤَالَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ؟ قُلْنَا: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَنَعَمْ، كَقَوْلِهِ: «الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ، وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيَانِ جَمِيعِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَذْكُورِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ يَعْلَمُ بِهِ السَّامِعُ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ قَبْلَ فَوْتِ الْحَادِثَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسُوغُ، فَإِنْ لَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ فُورَكٍ وَصَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " وَغَيْرُهُمْ: هَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يُنَبِّهَ فِي الْجَوَابِ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُجْتَهِدًا، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ التَّنْبِيهُ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالْمُجْتَهِدِ مَنْ لَهُ قُوَّةُ التَّنَبُّهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَأَنْ يَبْقَى مِنْ زَمَنِ الْعَمَلِ وَقْتٌ مُتَّسِعٌ لِلِاجْتِهَادِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>