لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَقَوْلُهُ: لَا عَمَلَ لِلْأَسْبَابِ عَلَى عُمُومِهِ، وَلَا يَخُصُّهُ سِيَاقُهُ.
وَقَالَ فِي " الْأُمِّ " فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا لِلْأَغْنِيَاءِ مَا نَصُّهُ: وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَحَلَّهَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ، كَمَا قَالَ: تَحِلُّ لَك، وَلِمَنْ كَانَ مِثْلَك، كَمَا قَالَ فِي التَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعَةِ: «تَجْزِيكَ وَلَا تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» ، وَكَمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ فَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهَا إلَّا لِلْمُضْطَرِّ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْفَرَائِضِ نَزَلَ بِأَسْبَابِ قَوْمٍ، وَكَانَ لَهُمْ وَلِلنَّاسِ عَامَّةً إلَّا مَا بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ أَحَلَّ لِغَيْرِهِ ضَرُورَةً أَوْ حَاجَةً. انْتَهَى.
وَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي " أَنَّ قَرِينَةَ الْغَضَبِ لَا تَجْعَلَ الْكِنَايَةَ صَرِيحًا " أَنَّهُ إذَا كَانَ لَفْظُهُ عَامًّا لَمْ أَعْتَبِرْ خُصُوصَ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا لَمْ أَعْتَبِرْ عُمُومَ السَّبَبِ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: لَوْ مَنَّ عَلَيْهِ بِمَالٍ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَك مَاءً مِنْ عَطَشٍ، انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَاءِ وَحْدَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: بِكُلِّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ مَالِهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَنَا بِاللَّفْظِ، وَبِهِ أَعْتُبِرَ عُمُومُهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ خَاصًّا، وَخُصُوصُهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ عَامًّا، وَعِنْدَهُ الِاعْتِبَارُ بِالسَّبَبِ دُونَ اللَّفْظِ.
وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ هَذَا النَّقْلُ عَنْهُ، كَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْآيَاتِ نَزَلَ فِي أَسْبَابِ خَاصَّةٍ؟ ثُمَّ لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ. وَالسَّبَبُ فِي وُقُوعِ هَذَا النَّقْلِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى سَبَبِهِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ تِلْكَ الصُّورَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّفْظُ جَوَابًا عَنْهُ، وَلَا تَأَخَّرَ الْبَيَانُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ عَكَسَ ذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute