للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: دَلَالَتُهُ عَلَى سَبَبٍ عَلَى النُّزُولِ أَضْعَفُ، وَحُكِمَ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَلْحَقُهُ وَلَدُ أَمَتِهِ وَإِنْ وَطِئَهَا، مَا لَمْ يُقِرَّ بِالْوَلَدِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» إنَّمَا وَرَدَ فِي أَمَةٍ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ فِي عَبْدِ ابْنِ زَمْعَةَ، فَبَالَغَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ إخْرَاجَ السَّبَبِ، وَأَطْنَبَ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ قَطْعِيَّةٌ، كَدَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ، وَكَوْنُهُ وَارِدًا لِبَيَانِ حُكْمِهِ، فَتَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

قُلْتُ: وَأَمَّا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، بِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ. قَاصِرًا لِلْمُحَرَّمَاتِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، قَالَ: لِوُرُودِ الْآيَةِ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يُحِلُّونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَيَتَحَرَّجُونَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مُبَاحَاتِ الشَّرْعِ، فَكَانَتْ سَجِيَّتُهُمْ تُخَالِفُ وَضْعَ الشَّرْعِ وَتُضَادُّهُ، وَكَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ إبَانَةَ كَوْنِهِمْ عَلَى مُضَادَّةِ الْحَقِّ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَا حَرَامَ إلَّا مَا حَلَّلْتُمُوهُ، وَالْقَصْدُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فَقَطْ.

قَالَ: وَلَوْلَا سَبْقُ الشَّافِعِيِّ إلَى ذَلِكَ مَا كَانَ يَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ تِلْكَ فِي مَصِيرِهِ إلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>