للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا حَدِيثُ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، فَقَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي أُصُولِهِ: قَصَرَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ فِيهِ عَبْدٌ بِيعَ، فَظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ، فَجَهِلَ لِمُشْتَرِيهِ خَرَاجُهُ لِضَمَانِهِ إيَّاهُ لَوْ تَلِفَ. قَالَ: فَجَعَلَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ حُكْمًا فِي الْبُيُوعِ دُونَ الْغُصُوبِ وَإِنْ كَانَتْ الْغُصُوبُ مَضْمُونَةً، وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُمْ. اهـ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ: الْغَاصِبُ يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الْمَغْصُوبِ اسْتَوْفَاهَا أَمْ لَا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي خَرَاجِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَعْمَلَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ، فَأَرَادَ الرَّدَّ. اهـ. هَذَا مِنْ الْقَفَّالِ وَالْقَاضِي اعْتِبَارًا لِلسَّبَبِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَا عُمُومَ لِمِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا فِيمَنْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ. قُلْت: لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . وَهَذِهِ صِيغَةٌ عَامَّةٌ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّ عَلَى الْغَاصِبِ غَلَّةُ مَا اغْتَصَبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ الدَّارَ، وَلَمْ يَرْكَبْ الدَّابَّةَ حَدِيثُ مُجَالِدِ بْنِ خَلَّافٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي عَبْدٍ، وَلَيْسَ بِعَيْبِهِ، فَقَضَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْغَلَّةِ لِمَالِك الرَّقَبَةِ، فَذَلِكَ يَقْضِي بِالْغَلَّةِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَالِكُ الشَّيْءِ. اهـ. وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ: قِيلَ: إنَّ الشَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِ السَّبَبِ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» مَقْصُودٌ عَلَى سَبَبِهِ. وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>