للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّ النِّزَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا دَلِيلَ يُصْرَفُ إلَى السَّبَبِ، وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَصَرَ الْآيَةَ عَلَى سَبَبِهَا لَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِمُحَرَّمَاتٍ كَثِيرَةٍ كَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَذَكَرَ الْآيَةَ الْأُخْرَى عَلَى جَمْعِ الْخَبَائِثِ، فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا، بِأَنْ قَصَرَ آيَةَ الْإِبْهَامِ عَلَى سَبَبِهَا، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى ذَلِكَ فِي الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَ «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» فَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ رَأَى الْأَخْبَارَ تَعَارَضَتْ، فَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، فَحَمَلَهَا عَلَى السَّبَبِ لِلتَّعَارُضِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَقْصُرْ الْحُكْمَ عَلَى السَّبَبِ، وَإِلَّا لَقَصَرَهُ عَلَى خُصُوصِ الشَّاةِ، بَلْ سَائِرُ جِلْدِ الْمَأْكُولِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا أُخْرِجَ جِلْدُ الْكَلْبِ عَنْ الْعَامِّ بِدَلِيلٍ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْقَطْعِ.

وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَرَهُ عَلَى سَبَبِهِ لَمَّا عَارَضَهُ قَوْلُهُ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مِنْ تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، فَوَجَبَ تَخْصِيصُ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبِهِ، وَحُمِلَ الْآخَرُ عَلَى عُمُومِهِ، لِأَنَّ السَّبَبَ مِنْ أَمَارَاتِ التَّخْصِيصِ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي.

وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ حَدِيثُ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَإِنَّمَا اعْتَبَرَ السَّبَبَ لِقَصْدِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كَنَظِيرِ مَا سَبَقَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، كَيْفَ وَقَدْ نَصَّ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فِي إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>