للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا أَنَّهُ خَصَّصَ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ بِالْحَرْبِيَّاتِ، لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، فَقَالَ: لِمَ قُتِلَتْ وَهِيَ لَا تُقَاتِلُ؟» وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْحَرْبِيَّاتِ. وَتَخَلَّصَ بِذَلِكَ عَنْ اسْتِدْلَالِ أَبِي حَنِيفَةَ بِهِ عَلَى مَنْعِ قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ. فَقَدْ أَلْغَى الشَّافِعِيُّ التَّعْمِيمَ وَقَصَرَهُ عَلَى السَّبَبِ. وَمِنْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ، لِأَنَّ الْفِطْرَ مَضْمُونٌ بِالْقَضَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ، فَهَذَا وُرُودٌ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ بِرَجُلٍ، وَقَدْ أَحْدَقَ بِهِ النَّاسُ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ مُسَافِرٌ، قَدْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ، فَقَالَ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ، وَعِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَفِطْرُهُ أَوْلَى. اهـ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَنْبَغِي السَّبَقُ بِهِ إلَى نِسْبَةِ الشَّافِعِيِّ إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِ السَّبَبِ، أَمَّا مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مُصَيِّرًا إلَى اعْتِبَارِ السَّبَبِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ التَّخْصِيصَ هُنَا مِنْ السَّبَبِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي اللَّفْظِ، وَلَهُ مَحَامِلُ وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ تَطَرُّقُ التَّأْوِيلِ إلَى الْآيَةِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا مَالِكٌ، وَلَوْلَا فَتْحُ هَذَا الْبَابِ لَكَانَتْ الْآيَةُ نَصًّا فِي الْحَصْرِ، وَهِيَ مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا نَسْخَ فِيهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشَرَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَالْعُذُرَاتِ، وَلَمْ تَنْطَوِ الْآيَةُ عَلَيْهَا، وَكَيْفَ تَجْرِي الْآيَةُ مَعَ هَذَا عَلَى الْعُمُومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>