وَقَالَ صَاحِبُ الْمَصْدَرِ: إنَّمَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: ٢٤١] وَقَوْلُهُ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] فَأَثْبَتَ الْمُتْعَةَ لِلْمُطَلَّقَةِ الَّتِي هَذِهِ سَبِيلُهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَأَنْ لَا يَثْبُتَ لِغَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ تُمَسَّ وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّخْصِيصِ حَيْثُ التَّنَافِي. انْتَهَى. وَقَدْ حَكَى أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَسَيَأْتِي فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَفْهُومِ، وَقَضِيَّتُهُ جَرَيَانُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ.
وَقَدْ احْتَجَّ الْجُمْهُورُ فِي عَدَمِ التَّخْصِيصِ بِأَنَّ الْمُخَصَّصَ مُنَافٍ ذِكْرَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَيْسَ بِمُنَافٍ، فَذِكْرُ الْحُكْمِ لَيْسَ بِمُخَصَّصٍ. وَاعْتُرِضَ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَنَّ ذِكْرَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَيْسَ بِمُنَافٍ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ، وَفُرِّقَ بَيْنَ مُنَافَاةِ الْحُكْمِ وَبَيْنَ مُنَافَاةِ الذِّكْرِ، فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِثُبُوتِهِ فِي غَيْرِهَا. وَأَمَّا الذِّكْرُ فَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ مُنَافَاتِهِ لِأَصْلِ الْمَفْهُومِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ. وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي ذِكْرِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ، فَتَخْصِيصُهُ بِمَا لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ كَالصِّفَّةِ مَثَلًا وَلَا يَجِيءُ فِي ذِكْرِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ بِذِكْرِ مَا لَا مَفْهُومَ لَهُ كَاللَّقَبِ، وَاَلَّذِينَ أَوْرَدُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَوْرَدُوهَا عَامَّةً وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ: لَمَّا كَانَ أَبُو ثَوْرٍ مِمَّنْ يَقُولُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ظُنَّ أَنَّهُ يَقُولُ بِالتَّخْصِيصِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَلَعَلَّ أَبَا ثَوْرٍ يَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا مِنْ الْعَامِّ، وَتَصِيرُ قَطْعِيَّةً لِمَحَلِّ السَّبَبِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ. فَإِنْ قُلْت: فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ مَا فَائِدَةُ هَذَا الْخَاصِّ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْعَامِّ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute