قُلْت: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهُ عَدَمَ التَّخْصِيصِ، أَوْ التَّفْخِيمِ وَالْمَزِيَّةِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ، أَوْ اخْتِصَاصِهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْكِيدِ، إنْ جَدَّتْ وَاقِعَةٌ بَعْدَ وُرُودِ الْعَامِّ. وَقَدْ يَرْجِعُ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَامُّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَالْقَرِينَةُ فِيهِ الْإِفْرَادُ. وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْفَائِدَةِ وَنِسْبَةُ هَذَا الْمَذْهَبِ لِأَبِي ثَوْرٍ بِهَذَا الْحَالِ، لِأَنَّ اسْتِنْتَاجَ الْكُلِّيَّاتِ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ يُعْتَمَدُ كَوْنُهَا. . . الْخُصُوصِيَّاتِ، وَيُوجَدُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ. وَأَمَّا الْفَرْدُ الْمُعَيَّنُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّهُ. بَيَانُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَبُو ثَوْرٍ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ طَهَارَةِ الْجِلْدِ بِالدِّبَاغِ، وَيُعْتَقَدُ أَنَّ الْمَأْكُولَ يَخْتَصُّ بِمَعْنًى يُنَاسِبُ التَّطْهِيرَ أَوْ التَّخْفِيفَ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ قَرِينَةً فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ، كَمَا جَعَلَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ اعْتِبَارِ دِبَاغِ جِلْدِ الْكَلْبِ قَرِينَةً تَخُصُّ هَذَا الْعُمُومَ، أَوْ يُمْنَعُ تَطْهِيرُ جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ افْتِرَاشِ جُلُودِ السِّبَاعِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ لِهَذَا الْمَذْهَبِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ أَبُو ثَوْرٍ نَصَّ عَلَى الْقَاعِدَةِ فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
قُلْت: وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَبُو ثَوْرٍ فِي كِتَابِهِ، فَقَدْ حَكَى عَنْهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ إلَى تَخْصِيصِ الدِّبَاغِ بِالْمَأْكُولِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي جِلْدِ الشَّاةِ: «هَلَّا دَبَغْتُمُوهُ» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ» قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: فَلَمَّا رُوِيَ الْخَبَرَانِ أَخَذْنَا بِهِمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهِمَا. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute