للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: بَلْ هُوَ خَاصٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرْبِيُّ، بِقَرِينَةِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَطْفٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٢٨٥] ثُمَّ إنَّ الْكَافِرَ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ ذُو الْعَهْدِ هُوَ الْحَرْبِيُّ فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ. لِأَنَّ الْمُعَاهَدَ يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ أَيْضًا هُوَ الْحَرْبِيُّ، تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. وَهَذَا التَّقْدِيرُ ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْعَطْفَ لَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» كَلَامٌ تَامٌّ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ قَوْلِهِ: بِكَافِرٍ، لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَهْدَ عَاصِمٌ مِنْ الْقَتْلِ.

وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " إلَى ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: " فِي عَهْدِهِ "، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: " وَلَا ذُو عَهْدٍ " لَتُوُهِّمَ أَنَّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ عَهْدٌ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ، لَا يُقْتَلُ، فَلَمَّا قَالَ: " فِي عَهْدِهِ " عَلِمْنَا اخْتِصَاصَ النَّهْيِ بِحَالَةِ الْعَهْدِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ عَلَى رَأْيِكُمْ؟ إذْ لَا يَظْهَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>