للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِنَا: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» مُطْلَقًا مَعَ قَوْلِنَا: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . أَجَابَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: بِأَنَّ عَدَاوَةَ الصَّحَابَةِ لِلْكُفَّارِ كَانَتْ شَدِيدَةً جِدًّا، فَلَمَّا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» خَشِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَ هَذَا الْكَلَامُ، فَتَحْمِلُهُمْ الْعَدَاوَةُ الشَّدِيدَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَتْلِ كُلِّ كَافِرٍ مِنْ مُعَاهَدٍ وَغَيْرِهِ، فَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ مَا مَعْنَاهُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي زَمَنِ عَهْدِهِ

الثَّالِثُ: أَنَّ حَمْلَ الْكَافِرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْحَرْبِيِّ لَا يَحْسُنُ، لِأَنَّ هَدْرَ دَمِهِ مِنْ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِهِ، وَيُبْعِدُ هَذَا الْجَوَابَ قَلِيلًا أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ مَدْلُولَ الْحَدِيثِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: ٤] فَالْحَمْلُ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْلَى.

وَثَانِيهَا: أَنَّ صَدْرَ الْحَدِيثِ نَفَى فِيهِ الْقَتْلَ قِصَاصًا لَا مُطْلَقَ الْقَتْلِ، فَقِيَاسُ آخِرِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ.

الرَّابِعُ: سَلَّمْنَا صِحَّةَ التَّقْدِيرِ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ تَسَاوِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ لَوْ لُفِظَ بِهِمَا ظَاهِرَتَيْنِ أَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِإِحْدَاهُمَا غَيْرُ مَا أُرِيدَ بِهِ بِالْأُخْرَى، فَكَذَلِكَ مُنِعَ ذِكْرُ إحْدَاهُمَا، وَتَقْدِيرُ الْأُخْرَى، وَيُؤَيِّدُهُ عُمُومُ: " وَالْمُطَلَّقَاتُ " وَخُصُوصُ " وَبُعُولَتُهُنَّ " مَعَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ.

إذَا عَلِمْت هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ طُرُقُ الْأُصُولِيِّينَ فِي تَرْجَمَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَرْجَمَهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَادَّعَى أَنَّهُ الصَّوَابُ كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرْجَمَهَا كَالْآمِدِيِّ فِي " الْأَحْكَامِ " بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ: هَلْ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ؟ وَهَذِهِ تَشْمَلُ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ: لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>