للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ، فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ بِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ الْعُمُومَ، حَتَّى لَا يُقْتَلُ الْمُعَاهَدُ بِكَافِرٍ، حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا.

وَمِنْهُمْ مَنْ تَرْجَمَهَا كَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالْهِنْدِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، بِأَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ. وَنَاقَشَهُمْ النَّقْشَوَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَشْمَلُ صُورَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا: عَامٌّ مَعْطُوفٌ عَلَى عَامٍّ، قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، كَقَوْلِك: لَا تَضْرِبُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْأَةِ غَيْرُ الْقَاذِفَةِ أَوْ شَارِبَةِ الْخَمْرِ، وَوِزَانُهُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، ثُمَّ يُخَصَّصُ الْكَافِرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ.

وَالثَّانِيَةُ: عَطْفُ خَاصٍّ بِلَفْظِهِ عَلَى عَامٍّ بِلَفْظِهِ، فَهَلْ يَقْتَضِي ذَلِكَ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ: كَقَوْلِنَا لَا تَضْرِبْ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً كَهْلَةً؟ فَهَلْ يَخُصُّ الرَّجُلَ بِالْكَهْلِ أَيْضًا؟ وَوِزَانُهُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ بِحَرْبِيٍّ. قَالُوا: وَمِثَالُهُمْ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلثَّانِيَةِ، وَالْإِمَامُ تَرْجَمَ لِلثَّانِيَةِ وَمِثَالُهُ إنَّمَا يُطَابِقُ الْأُولَى، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ، يَقْتَضِي تَخْصِيصَ عِلَّتِهِ، وَنَازَعَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحُ " الْمَحْصُولِ " وَقَالَ: بَلْ كَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْخَاصَّ وَمُرَادُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ خَاصًّا لَفْظًا أَوْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْإِمَامِ تَعُمُّ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّ الْخَاصَّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خُصُوصُهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ أَوْ غَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>