إنْ قَدَّرَ عَامًّا، فَصَرْفُ الْجَمْعِ إلَى الْوَاحِدِ كَصَرْفِ الْجَمْعِ إلَى غَيْرِ الشُّمُولِ.
قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَقٌّ مِنْ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ انْطِلَاقَ لَفْظِ " الْمُسْلِمِينَ " عَلَى جَمِيعِهِمْ حَقِيقَةٌ فِي وَضْعِ اللَّفْظِ، فَإِذَا أُخْرِجَ الْحُيَّضُ وَالْمَجَانِينُ تَنَاوَلَ لَفْظُ الْمُسْلِمِينَ الْبَقِيَّةَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ وَالتَّخْصِيصِ، كَتَنَاوُلِهِ لَهُمْ قَبْلَ التَّخْصِيصِ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ، فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِيهِمْ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّفْظَ لَمْ يَجْرِ عَلَى التَّعْمِيمِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ التَّعْمِيمُ لِلَّفْظِ مَجَازًا. وَلَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً مِنْ وَجْهٍ وَمَجَازًا مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَتَأَمَّلْهُ. انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَوْنَهُ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ بَعْضَ مُقْتَضَاهُ لَا يُنَافِي أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْبَاقِي بِجِهَةِ الْحَقِيقَةِ، وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: إنَّهُ أَجْوَدُ الْمَذَاهِبِ بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمَنْخُولِ ". وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ لِلَّفْظِ بِقَضِيَّةِ الْوَضْعِ جِهَتَانِ، وَقَالَ فِي " الْمُسْتَصْفَى ": هَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ لَوْ رُدَّ إلَى الْوَاحِدِ كَانَ مَجَازًا مُطْلَقًا. لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي الدَّلَالَةِ.
وَالتَّاسِعُ: إنْ بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ جَمْعٌ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَجَازٌ، وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيَّ وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَجَعَلَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ الْجَمْعِ، فَأَمَّا إذَا بَقِيَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا تُكَلِّمْ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت زَيْدًا خَاصَّةً، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَجَازًا بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا فِيهِ، لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ، وَالْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ لَيْسَا بِجَمْعٍ. قُلْت: لَكِنَّ الْقَاضِيَ حَكَى فِي أَوَاخِرِ كَلَامِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute