وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَقِفُ فِي هَذَا، لِأَنِّي قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مَخْصُوصٌ. وَلَعَلَّ الْحُكْمَ الَّذِي حُكِمَ مِنْ حَيِّزِ الْخُصُوصِ كَمَا لَوْ عَلِمَ فِي الْآيَةِ نَسْخًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْرِيَهُ عَلَى الْأَصْلِ، لِجَوَازِ النَّسْخِ. فَكَذَلِكَ التَّخْصِيصُ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، مِنْهُمْ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، فَقَالُوا: إذَا خُصَّ وَجَبَ الْوَقْفُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ، سَوَاءٌ خُصَّ بِمَجْهُولٍ أَوْ مَعْلُومٍ، لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّخْصِيصِ يَصِيرُ مَجَازًا فِي الْبَعْضِ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ مَجْهُولٌ فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إنْ خُصَّ بِمَجْهُولٍ لَمْ يَثْبُتْ التَّخْصِيصُ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي ثَبَتَ عِنْدِي مِنْ مَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ، سَوَاءٌ خُصَّ بِمَجْهُولٍ أَوْ مَعْلُومٍ، لَكِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى أَفْرَادِهِ تَبْقَى ظَنِّيَّةً، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ صَاحِبُ " اللُّبَابِ ": ذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنْ يَبْقَى عَامًّا فِيمَا وَرَاءَ التَّخْصِيصِ، وَيَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَصَّصُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، وَلَكِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ لَا لِلْعِلْمِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّخْصِيصِ عِنْدَنَا، فَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ.
وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُخَصَّصُ مَعْلُومًا صَحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ: لَا يَبْقَى لِلْبَاقِي عُمُومٌ، وَلَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ مَعْلُومًا يَبْقَى مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، أَوْ مَجْهُولًا لَا يُوجِبُهُمَا؛ بَلْ يُوقَفُ عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُخَصَّصُ مَجْهُولًا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْخُصُوصُ أَصْلًا، بَلْ يَبْقَى النَّصُّ عَامًا كَمَا كَانَ. انْتَهَى.
وَإِنْ خُصَّ بِمُعَيَّنٍ كَمَا لَوْ قِيلَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَوْ الْمُسْتَأْمَنَ، فَهَلْ يَجُوزُ التَّعْلِيقُ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ، وَاخْتَارَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute