للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى مِنْ زَيْدٍ وَجْهَهُ. أَوْ مِنْ الدَّارِ بَابَهَا، فَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي أَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ، لِأَنَّ وَجْهَ زَيْدٍ جُزْءٌ مِنْهُ. انْتَهَى.

قِيلَ: وَهَذَا الْخِلَافُ غَرِيبٌ، وَقَدْ جَزَمَ الْأَصْحَابُ بِدُخُولِ بَابِ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا، وَلَمْ يَحْكُوا خِلَافًا. قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْ " الْمُسْتَصْفَى " الْخِلَافُ، فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَشَرَطَ هُوَ قَبْلَ ذَلِكَ كَوْنَهُ مِنْ الْجِنْسِ.

قَالَ: لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَابِ، وَلَا اسْمُ زَيْدٍ عَلَى وَجْهِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: مِائَةُ ثَوْبٍ إلَّا ثَوْبًا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا قَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجِنْسِ، وَشَرَطَ هُوَ قَبْلَ ذَلِكَ كَوْنَهُ مِنْ الْجِنْسِ، فَجَاءَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَيَجِيءُ عَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ: عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمًا، فَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهُ بِقَوْلِك: رَأَيْت زَيْدًا إلَّا يَدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهُ بِاسْمِ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ، أَوْ إلَّا زَيْدًا، وَهُوَ الْأَشْبَهُ فِيهِ.

وَأَمَّا الْخِلَافُ الْأَوَّلُ، فَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " الْحَاوِي " إذْ قَالَ: فَإِنْ عَادَ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ صَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، وَأَجَازَهُ قَوْمٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَأَبْطَلَهُ قَوْمٌ فِيهِمَا.

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي " الْعُدَّةِ " فِي بَابِ الْإِقْرَارِ: إذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمَعْنَى، أَوْ مِنْ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مِنْ الْمَعْنَى، فَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ مِائَةَ دِرْهَمٍ.

وَالثَّانِي: مِنْ اللَّفْظِ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَشْهَدُ لِهَذَا. انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>